شارك الخبر
همس اليراع
________ د. عيدروس نصر .
تمكنت يوم أمس الخميس 16/3/2023م من التواصل مع الأخت المناضلة صالحة عبد الله سعيد الرئيسة السابقة لفرع إتحاد نساء اليمن بمديرية رُصُد بمحافظة أبين، وكانت ترقد في مستشفى عدن الألماني، بعد إجرائها عملية لتفتيت حصوة في الحالب تسببت في انسداد الحالب وكادت أن تؤدي بحياتها بسبب انتشار السموم في الدورة الدموية.
وعرفت منها أن لديها موعد لعملية أخرى لتفتيت حصوة ثانية، بعد ثلاثة أسابيع.
صالحة عبد الله بدأت في خوض غمار العمل الوطني في مطلع السبعينات في ذروة العمل السياسي والجماهيري بعيد استقلال جنوبنا الحبيب والشروع في بناء أسس ومداميك الدولة الوطنية الوليدة وساهمت مثل المئات والآلاف من رفاقها ورفيقاتها في المبادرات الجماهيرية الهادفة إلى شق الطرقات وبناء المدارس والوحدات الصحية والمراكز الثقافية ومراكز محو الامية.
بدأت حياتها السياسية والاجتماعية في إطار فرع اتحاد النساء في منطقة سرار التي كانت جزءًا من المركز الثاني للمديرية الغربية في المحافظة الثالثة (أبين)، وعند تحويل سرار إلى مركز أصبحت رئيسة لفرع الاتحاد في المركز وعضواً في اللجنة المحلية للجبهة القومية ثم للحزب الاشتراكي في نفس المركز، لتنتقل بعدها إلى رئيسة فرع الأتحاد في مديرية رصد خلفا للفقيدة فائدة محمد محضار ابنة مركز سرار التي انتقلت إلى عاصمة المحافظة أبين في مهمة قيادية في إطار الاتحاد قبل أن تفقد حياتها في حادث مروري مؤلم عليها رحمة الله ومغفرته.
المناضلة صالحة لم تكن مجرد موظفة حكومية جيدة الأداء رفيعة الخلق مستقيمة السلوك، بل كانت قائدة سياسية متميزة بكل معاني التميز.
تمكنت صالحة من المساهمة في نشر الوعي بين المئات من الناشطات النساء في مديرية رصد واستقطابهن إلى صفوف محو الامية ونشر ثقافة التربية السليمة وبناء الأسرة المتماسكة وتربية الأطفال تربية تقوم على زراعة القيم الوطنية والإنسانية والمدنية الراقية،
وبسلوكها الحميد وسيرتها النقية وتمسكها بالعفة والنزاهة وحب الوطن واحترام آدمية الإنسان والمرأة على وجه الخصوص، ساهمت صالحة ورفيقاتها من القيادة النسائية وعضوات الاتحاد من استقطاب آلاف التلميذات والطالبات للانخراط في الدراسة ومواصلة تعليمهن ومنهن العشرات ممن بلغن الجامعة وحصلن على الشهادات العليا (الدكتوراه والماجستير) في تخصصات متعددة كالطب والهندسة والحقوق والاقتصاد وغيرها في مديرية كان أكثر من نصف رجالها وكل نسائها يرزحون تحت نير الأمية والجهل والأوبئة والفقر حتى مطلع السبعينات.
طوال مسيرتها المهنية حظيت المناضلة صالحة عبد الله باحترام وتقدير كل من تعرف عليها واكتشف خصالها النبيلة من نزاهة وتواضع واستقامة وصبر وحب الخير للآخرين والإيثار ومثلت قدوة حسنة للكثير من القواعد والقيادات النسوية وتلميذات وطالبات المدارس.
وبجانب نشاطها القيادي النسوي كانت صالحة قائدة حزبية متميزة حيث تدرجت من عضو منظمة قاعدية ثم عضو لجنة مركز فمديرية وأخيرا عضو لجنة محافظة أبين للحزب الاشتراكي، ومثلت صورة رائعة في الانضباط والعطاء ونكران الذات والانتصار للحق والحقيقة.
بعد العام ١٩٩٤م وبعد الإجهاز على منظمات المجتمع المدني وإعادة تهميش المرأة انتقلت المناضلة صالحة لتتولى مهمة مديرة مكتب شؤون الرعاية الاجتماعية المختص بالاسر الفقيرة وأسر الشهداء والمناضلين، أولائك الذين شطبت سلطة ٧ يوليو كل حقوقهم وطمست تاريخهم وحولت بعضهم إلى دائرة الإعانات والمساعدات، وفي هذا العمل قدمت صالحة وما تزال تقدم صورة المثل الأعلى في الصدق والوفاء ونظافة اليد والحرص على مصالح المستفيدين من الإعانات الاجتماعية البسيطة المقدمة عبر المكتب، وحظيت وما تزال تحظى بحب كل المتعاملين معها والمستفيدين مما يقدمه مكتبها.
لو أن لدينا مؤسسات حكومية ومتجمعية تعرف قيمة الشرفاء والمناضلين لاستحقت صالحة أعلى الأوسمة وخلدت سيرتها الذاتية كنموذج للمرأة المثالية والمناضلة الوطنية الاستثنائية ، لكن الوسام الأعلى الذي حصدته المناضلة صالحة عبد الله سعيد العمري هو حب الناس لها واحترامهم لمقامها وقيمها ومكانتها في قلوب كل من عمل معها أو تعرف عليها
صالحة على موعد مع عملية ثانية في مطلع ابريل، وهي تتحمل تكاليف علاجها على نفقتها الخاصة في ظل غياب معايير التعامل مع المناضلين وبناة المجتمع الشرفاء، وانتشار الفساد والإنانية السياسية وثقافة الطمع والجشع والاستحواذ وتزوير التاريخ.
عند ما تحدثت إليها وعرفت انها ستغادر المستشفى قلت لها خذي لك بعض الراحة قبل العودة للعملية القادمة، لكنها ردت عليَّ بأنها راجعة إلى المديرية لتسليم الناس مستحقاتهم قبل دخول شهر رمضان الكريم ، وهي المستحقات التي لا تتجاوز عدة آلاف للأسر المستفيدة منها.
ألف سلامة لك أيتها المناضلة الأصيلة ولتدومي مثلا أعلى للمتمسكين بفضائل الوطنية والنزاهة والصدق والوفاء والتواضع والإيثار ومخافة الله.