شارك الخبر
بقلم: فيصل محسن شايف
٩ مايو ٢٠٢٣
—————–
هل جميعنا مع التوافق الجنوبي؟ حتماً نعم ، ولكن ماذا تعلمنا من ٦ عقود من تجاربنا المريرة ؟ والحقيقة لم نتعلم مع كل أسف . هل نحن مع حامل قضيتنا الإنتقالي ؟ بالطبع نعم ، ولكن بينما نحن ننتشي ونهلل فرحاً لمؤتمر الحوار وبالتوافق لفك الارتباط ، فأن الأغلبية العظمى من الناس تغرق في جهل مخيف، كمثل الذي تغشاه حالة من السكر من رائحة الكحول النفاثة ، وعندما يفيق من غيبوبته ويتم فحص دمه يكتشف إنه لم يكن سكران ولكن الوهم جعله يدخل في غيبوبة .
قلت هذا نتيجة ما مر به الوطن من صراعات دموية ، فمعارك ال ١٣ من يناير ١٩٨٦ اندلعت بسبب عدم وجود آلية لفض النزاعات والاختلافات فكان التخوين ثم المواجهات الدموية بل المذابح النتيجة الحتمية مما ادى لفرقة الصف وفقدان الوطن. .وما هي الضمانات اليوم لتجنب ذلك؟ فربما سيتكرر الامر في وطننا مرة أخرى ، والحقيقة ان ذلك حدث في الماضي الغير بعيد بسبب افتقار النظام لآلية واضحة ودستورية تحدد كيف يتم ترجيح رأي على آخر من دون اللجوء الى التخوين والمواجهات العنيفة ،حيث يؤجج ذلك فئة من الشاطحين ومحبي المزايدة والنتيجة سفك دماء الاخوة فيما بينهم.
ولقد كانت الاختلافات في تلك الايام تفضي الى مواجهات بالسلاح على ان الطرف الأقوى كان يلجئ للمواجهات المسلحة و التصفيات اعتقادا ان ذلك الفعل سوف يفسح له تمرير سياساته ، ووهما يعتقد ان الساحة اصبحت تخلوا من اي تحديات ويتوهم ان ذلك سوف يصفي الساحة لتحقيق مأربه ومشاريعه، بغض النظر عن منطقية رأيه وسداد فكرته .
هنا مكمن الخوف فمالم نستحدث الآليات اللازمة لمعالجة الاعوجاجات السابقة، ففي غياب ذلك ستؤول أوضاعنا الى نفس المنحدرات ، خصوصا لو لم يتم إرساء الاليات الأساسية التي هي الضامن الأساسي لجلب الإستقرار والتنمية في حال نشوب أي خلافات ،حيث وجود هذه الآليات سوف تؤدي الى بتر أي ايادي تستغل الخلافات في صفوفنا وتمنع الانجرار الى المواجهات وفرض منهج الاقصاء وما يسببه من مهالك وتشرد وضياع البلاد ووقوع العباد فريسة سهلة بيد المتربصين .
لهذا نعود ونقول لو ان هناك قانون وآليات وضوابط دستورية تسمح بالتحكيم وترجيح الراي السليم عند الاختلاف وعبر التصويت ، بعد ان يقدم كل فريق سياسي مدافعاته وحججه في ترجيح فكرته او توجهه . لذلك فمن الاهمية ان تتشكل جهة قانونية والارجح ،المحكمة العليا والغير مسيسة بحيث تفصل في الاختلافات المهمة حيث يجب الاحتكام اليها بعد التداول ثم التصويت ليتم ترجيح الرأي بناء على رزانة ورجاحة ما تم تقديمه من حجج لاي طرف من الاطراف .
هنا نتجنب التصادمات والانجرار الى العنف والصراعات والانزلاق الى التخوين و الاجتثاث فيسلم الوطن والمواطن من المهالك . طبعا كل ما تم ذكره هو عبارة عن جزئية ضئيلة من التركيبة الأساسية للفكر الذي تحتكم له المؤسسات الديمقراطية . فما لم ننتهج هذه الآلية فربما سنعود مرة أخرى لجولات صراع ولضياع نصف قرن اخر بسبب مخاوف المواجهات الدامية بين اجنحة الفئة الحاكمة ،وهذا ما نشهده اليوم في السودان .
وبجملة مختصرة فان علينا ان نتنبه الى اهمية وضع القوانين التي تحفظ الوطن من مغبة انزلاق الفئة الحاكمة او الفئة الاقوى عند الاختلافات . قلت هذا لان الوطن مر بصراعات دامية وكانت كلفتها مخيفة ولا زلنا حتى اليوم نعيش اثار صدماتها الاليمة ومواجعها العميقة .
نقطة أخيرة وهي تشجيع بناء أكثر من حزب سياسي، أعضاء كل حزب منها ينتمون إلى كافة مناطق البلاد لتعزيز الانتماء للوطن وليس للمناطقية المقيتة.