شارك الخبر
.
رحل الشيخ نصر بن علي اليوسفي ، الشيخ القبلي البارز والشخصية الإجتماعية العظيمة ورجل النضال السلمي والمسلّح.
الشيخ نصر بن علي اليوسفي من منا لايعرفه !
كريمٌ بفطرته، لقد رافقته تلك الصفة منذ طفولته..
شجاعٌ ومقدام ، فمن منا يذكر الشجاعة ولا يتحدث عن نصر! فهي توأمه منذ ولادته ..
صادق وصريح، رجل خير ، ومتواضع جداً ، فمن منا ومنكم لم يلمس تواضعه وأخلاقه مع الصغير قبل الكبير.
رجل لايعرف الرياء ولا الكذب ولا التلوّن ولا التناقض ولا التصنّع ولا المبالغة فكي أفعاله وأقواله.
أي رجل كان.. رحمة الله عليه.
كان ثابتاً في كل شيء ، ثابت كـ(مَنْوَرٍ) في مبادئه وقيمه ووطنيته ومواقفه.
أعرفه جيداً عن قرب ، رجل بشوش وبسيط ، وحازم وشديد في الوقت نفسه ، يقبل الاختلاف مع الآخر بكل رحابة صدر، ولديه أسلوبه المتواضع في الأخذ والرد مع الآخرين ، وحتى الذين هم أقل منه شأناً وسناً .. لايقلل من أحد ولا يحتقر أحد، ولا يشتم أحد ، يخاصم برجولة، ويختلف بشرف.
ياله من رجل عظيم رحل عن دنيانا !!
من يعرفه كيف له أن يحصي صفاته وخصاله بمجموعة كلمات أو بمنشور على موقع الفيس بوك .. تبّاً لأفكار جعلتني أحاول الكتابة لكي أنصفه ثم جعلتني أشعر بالخجل عندما أدركت التقصير الكبير في حقه .. فكل مفرداتي وكلماتي لن تفيه أبداً. أي والله أشعر بالتقصير الكبير في كل ماقلته.. وكيف لا أكون مقصراً ؛وهو الشيخ نصر بن علي اليوسفي!
كم مجالس وجلسات كنت على مقربة منه .. منذ كنت صغير السن فقد أبهرني بتصرفاته معي واحترامه لي ، وبصراحته وأسلوبه وصدقه في حديثه مع الجميع.
كان رجل كريم،نزيه،شجاع، مقدام، صادق ،صبور، مكافح ومناضل في كل أمور حياته.
كشيخ قبلي وشخصية اجتماعية لايخفى على أحد من هو الشيخ نصر بن علي اليوسفي الذي كان يحل كثير من النزاعات والقضايا داخل المنطقة وخارجها. وكان – رحمة الله عليه – يحضى بقبول كبير عند الجميع.
أما كرجل حرب ومناضل جسور، فقد كان الشيخ نصر بن علي اليوسفي – رحمه الله – حاضراً في كل المراحل بالسلم سلماً وبالكفاح المسلح استبسالاً وصموداً في الميدان.. وها هو جريح لمرتين عام ٢٠٠٩م وعام ٢٠١٥م .
ومازال في الميدان .. حتى أصيب بمرض نقل على أثره إلى جمهورية الهند لتلقي العلاج قبل عدة أشهر .. وفي يوم الثلاثاء الماضي بلغنا خبر وفاته الذي نزل علينا كالصاعقة .. ولا اعتراض لأمر الله ، نسأل الله له الرحمة والمغفرة والجنة.
الرجل كان صادقاً لدرجة لايتوقعها قارئ منشوري هذا، وكذلك مناضلاً ووطنياً لنفس الدرجة وأكثر .
انظروا معي رجل بحجم شخصية الشيخ نصر بن علي اليوسفي ومكانته القبلية والاجتماعية والنضالية .. يذهب إلى ساحات النضال السلمي بصفته فرد من أفراد الوطن، ويظل يناضل ويبذل من حقه الخاص ، وكان يدعم من يذهبون معه من الشباب دون مَن ولا رياء.
ثم تأتي فترة اللجان الشعبية لمكافحة تنظيم القاعدة الإرهابي الجاثم على محافظة أبين..
فيذهب بسلاحه الشخصي ومعه مجاميع من قبيلته ومنطقته بشكل عام.. يذهب معهم ويقودهم كمقاوم وكأنه في عز شبابه، ثم يلتحق بقائد اللجان الشعبية ، وهمه الأول اجتثاث فلول القاعدة الممولة من صنعاء حينها . لايحب القيادة ولا المناصب.. فإذا ماتطهرت المحافظة عاد إلى بيته..
وبعد الإجتياح الثاني للجنوب من قبل قوات العربية اليمنية المحتلة، نهض كأي مقاوم جنوبي شجاع يحمل سلاحه من بيته ويأخذ معه مجموعة من الشباب ليلتحق بجبهة حصن شداد ، وبعدها كعادته ظل يتنقل من جبهة إلى أخرى، فهو يذهب حيث يسمع أصوات الرصاص والمدافع وحيث يعلم أن هناك جبهة للدفاع عن الوطن .
فهو الشيخ الذي ينسى مكانته القبلية والاجتماعية كلما سمع نداء الوطن، فلا يرى نفسه إلا فرداً قابلاً للتضحية من أجل نصرة هذا الوطن دون النظر للمصالح الشخصية بتاتاً.
فلايفكر أن يظهر بالإعلام ولا أن يتخذ من مكانته باباً للاسترزاق كما يفعل الكثيرون .. لم يحصل على أفراد يحرسونه ولا سيارة يتنقل بها إلى منطقته.. فقد كان ينزل في المواصلات العامة ويعود بالمواصلات أيضاً ، ويستمر هكذا يناضل وكأنه جندي عشريني العمر..
رحمة الله عليك من رجل!
رحلت أيها الشيخ النبيل.. فألف رحمة ونور وسكينة تتنزل عليك من رب رحيم.. ورضى ورضوان وجنة نعيم بإذن الله..
أقول للقيادة العليا : انظروا إلى من تبقى من مثل هؤلاء -إن وجدتم أحد مثلهم – فهم قليل جداً !
واتركوهم بأماكن مؤثرة، فتأثيرهم كقيادة وشخصيات مسؤولة أكثر من تأثيرهم كجنود في الجبهات، ومثلهم لايطمعون في مال ولا أراضٍ ولا كرسي .
ماكان يجب أن أقول هذا الكلام الآن.. وكان الأفضل أن يقال من قبل.. ولكن هكذا ننشغل نحن أيضاً بما يشغل الجميع من وضع وظروف أثرت على كل فئات المجتمع. ثم إن خبر وفاته أفجعنا وأثار مابداخلنا فتوجه حديثنا نحو هكذا حقائق .
شيخٌ قبلي بارز وشخصيةٌ عظيمة ووطنية أصبح يتواجد جندياً ضمن القوات المسلحة الجنوبية.
الرجل الذي كان يؤمر وينهي ويصلح بين الناس ، أصبح جندي يخدم وطنه ،جندياً صلباً وشجاعاً ، ومن هم أصغر منه سنّاً وشجاعةً وخبرة يقودون قطاعات وألوية !! .. ولكي يؤدي واجبه تجاه وطنه لايأبه بمنصب ولا يهتم بقيادة ، ولا يغيظه من يرأسه أو يفوقه منصباً ، فهمه الأول والأخير أن يدافع عن وطنه.
الله ! أي إخلاص يملكه هذا الرجل! وأي ثقة تلك التي جعلته يبعد عن الأضواء والإعلام ومواقع التواصل ، ولم يكلف أحد أو يدفع لأحد ليكتب عنه ويظهره أمام الناس قائد بحجم وطن أو شيخ بحجم وطن !! لقد كان حقاً يعرف في قرارة نفسه بأنهُ رجل وبألف وطن.
مثل هؤلاء الأبطال لايطلبون المناصب ، ولا يتقربون من القيادة لمصلحة ما ، فأول وآخر همهم هو الوطن .. إن أردتم العثور على أمثالهم فكلفوا أنفسكم عناء البحث عنهم ، أما هم فجنود في المعارك ولن تسمح لهم أنفتهم أن يتقربوا من أحد غير تراب الوطن.
وأخيراً لايفيد الحديث هكذا بعد فوات الأوان .. ولكني خففت قليلاً من حزني عليه ، ومن قهري على الوضع الذي صرنا فيه.
وسيعود الشيخ نصر بن علي اليوسفي من جمهورية الهند إلى وطنه صباح يومنا هذا السبت ، ولكنه سيعود جثة طاهرة على متن طائرة تقله إلى مطار عاصمته التي تغنّى بها كثيراً وسال دمه من أجلها غزيراً .. فقبّليه ياعدن وابكيه معنا كما بكيتي كل الشهداء والمناضلين، وودعيه وداع الأم لأبنها البار والبطل الذي قضى حياته مدافعاً عنها ، ثم سيتم نقله إلى مسقط رأسه (كلسام) ليودعه أهله وأبناؤه وأبناء منطقته كافة قبل أن يدفن في تراب أرضها الطيبة.
وداعاً أيها النبيل .. وداعاً بدم العيون لا بدموعها ..
والموت لن ينسينا إياك، قد ماتَ قومٌ وما ماتَتْ مكارِمهم .. وعاشَ قومٌ وهم في الناسِ أمواتُ
وأنت ممن تظل مكارمهم خالدة للأجيال.
رحمك الله وغفر لك وأسكنك الله فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
اللهم والهم أهله وذويه الصبر والسلوان.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
# منصور السنيدي