شارك الخبر
دلتابرس. أدب وفن
منذُ أن أبدينا العزم على السفر لقضاء الإجازة في إحدى مناطق ريفنا الأبيني الجميل، ونظام البيت منقلب رأسا على عقب. المناقشات جارية بين أخوتي حول تلك الرحلة وكيف ستبرمج أولوياتها، وخطط كثيرة، أجبرتني على الاستماع فقط دون المجازفة بالحديث، كي لا أتورط بمناقشات تمتد إلى ساعات الفجر. فأخوتي الأربعة كلٌّ منهم يحمل طباعا وميولا وخيالا يختلف فيها عن الآخر.
حقائب السفر ظلت مفتوحة، كل وقت يضاف إليها شيء جديد.. وطبعا القائمة لاتنتهي، حتى المصابيح لم تنطفئ طوال الليل، وفشلت جميع محاولات أمي وجدتي التي تعيش معنا لإقناع إخوتي بالخلود إلى الراحة والنوم والتقليل من الفوضى.
الوحيد الذي لم يتأثر بكل هذه الفوضى في الترتيبات أخي الكبير، كعادته منهمك بجواله.
كانت علاقة أخي الصغير بجدتي ( أم والدتي) قوية، فهي التي تولت تربيته، وهذه المرة لن تسافر الجدة معنا لإصابتها بالتهاب المفاصل.. علم أخي الصغير بذلك فدخل غرفة امي يتساءل بضيق: هل صحيح ماسمعته بأن جدتي لن تسافر معنا؟ نظرت إليه أمي برفق وقالت: حبيبي أنت تعلم أنها لاتقوى علي ساعات السفر الطويلة والانتقال من مكان لآخر، وسوف تكون بخيرٍ مع خالتك. كانت نبرات صوته تحمل الكثير من الرفض حين قال: لكنك تعلمين أن خالتي تعمل صباح مساء، وستكون جدتي وحيدة أغلب الوقت. أجابته أمي بهدوء لإقناعه: جدتك لاترغب في السفر وهذا قرارها. خرج غاضبا بينما ردد أخي الكبير الذي اكتفى بالإنصات فقط: لقد كبر الولد بسرعة.
قبل السفر بيومين فوجئنا بقرار اتخذه أخي الصغير: لن أسافر معكم وسأرافق جدتي لمنزل خالتي ولعلمكم سأصحبها إلى البحر وسنقضي وقتا ممتعا هناك. همَّت أمي بالرد فقاطعها: أمي.. أرجوك هذا قراري ولارجعةَ فيه. وخرج وتركَنا في ذهولٍ شديد، نظرتُ إلى أخي الكبير الذي اعتدل في جلسته وغاص بما يقرأ بجواله، وهو يبتسم ابتسامة خفية.
*✍🏻 ليان صالح*