شارك الخبر
________عيدروس نصر
ظلت القبيلة لمرحلة تاريخية من الزمن هي الوعاء الاجتماعي والنظام السياسي، الذي تحت لوائه تجتمع الجماعات والافراد المنتمون إليه ويتقيدون بضوابطه وقواعد العلاقة فيما بينهم ومع محيطاتهم القبلية والعشائرية من خلال مجموعة من الضوابط غير المكتوبة والمسماة بـ”الاعراف والعادات والتقاليد” الراسخة كرسوخ القانون في المجتمعات المتحضرة.
وقد عمَّرت بعض الجماعات والتجمعات القبلية والعشائرية لمئات وآلاف السنين باعتبارها الحالة المجتمعية الضرورية التي لا بديل لها للتعبير عمن ينتمي أو يلجأ إليها لسبب أو لآخر.
لكن هذا المستوى من التجمع البشري لم يكن ممكناً أن يستمر إلى الأبد، حيث برزت بمرور الزمن وفي سياق التحولات الاجتماعية والمعيشية والثقافية، مجموعة من المعطيات الاقتصادية والاجتماعية التي فرضت علاقات جديدة تختلف جذرياً عن علاقات أفراد القبيلة ببعضهم، ومن هذه التطورات نشوء التجمعات الوظيفية المتعددة كعمال الصناعات والعمال الزراعيين وعمال الخدمات والموظفين وغيرها من التجمعات التي تؤلف فيما بينها علاقات معيشة ومهنية مدنية ومصالح مادية ومعنوية أهم من المصالح القبلية القائمة على الانتماء العرقي أو الجغرافي أو علاقات الدم والقربى.
ويطول الحديث في المسار التاريخي الذي أدى إلى تراجع دور القبيلة والعشيرة ونشوء الدولة، سواءٌ بشكلها الجنيني المبكِّر أو بشكلها المدني المؤسسي الحديث، لكن من المهم الإشارة إلى أن الدولة لم تقم من خلال الانقلاب على القبيلة أو إزاحتها بالقوة، بل إن العديد من الدول ومنها دول متحضرة نسبياً قد تعايشت فيها الدولة مع القبيلة واستعانت الدولة فيها بالقبيلة في سبيل تثبيت النظام والقانون، لكن علاقة التوازن بين هذين الشكلين ظلت مرهونة بمدى قدرة أحدهما على التفوق على الآخر، فحيثما أبرزت الدولة أفضلياتها ومزاياها الجديدة التي لم تتوفر لدى القبيلة كانت الأخيرة تتراجع عن دورها طوعاً أو كرهاً، وحيثما عجزت الدولة أو رغب قادتها في الاستكانة والتخلي عن أدوارها كانت القبيلة تستأسد وتستحوذ على وظائف الدولة دونما حاجة إلى المواجهة معها.
بيد إن أهم ما في الأمر هنا هو أن مكانة وسلطة الدولة نشأت وترسخت على أنقاض مكانة وسلطة القبيلة والعشيرة، وكلَّما تطوَّرت الدولة وترسَّخ حضورها واتَّسع نفوذها كلَّما تراجعت القبيلة وتقلص حضورها ونفوذها وذلك هو المسار العام للتطور الاجتماعي في هذه الثنائية المعقدة.
ولا بد هنا من الإشارة إلى أن هذا لا يعني أن العلاقة بين القبيلة والدولة هذ علاقة عدائية بمعناها التناحري، لكن القبيلة كظاهرة تاريخية وكعلاقات اجتماعية لا يمكن أن تستسلم بسهولة لمؤسسة الدولة وقوانينها ونظمها التي تتناقض في الغالب الأعم مع قوانين وضوابط عمل القبيلة والأهم من هذا مع مصالح قادة القبيلة وزعمائها.
والقبيلة لا تتعايش مع الدولة إلا عندما تقبل (القبيلة) بسلطة الدولة وتخضع لقوانينها وتكون جزءًا منها وليس فوقها أو بمواجهتها أو بموازاتها. * * *
وبعيداً عن التنظير الفلسفي والسوسيولوجي لثنائية الدولة والقبيلة، وبالعودة إلى حالتنا الواقعية على الصعيد الجنوبي، لا بد من الإقرار بالحقائق والمعطيات التاريخية التالية:
1. إن القبيلة كمرحلة تاريخية من تطور مجتمعنا الجنوبي، مثل كل مجتمع قد ظلَّت حالة ملازمة لتاريخ الجنوب حتى مرحلة متأخرة من ستينات القرن الماضي، أما في زمن الاستعمار البريطاني الذي قام بإدخال بعض القيم والمعايير (الحضارية) الاستعمارية المتناسبة مع احتياجاته ومصالحه الاستراتيجية والاقتصادية، فقد ظلت القبيلة متجسدة في الوحدات القبلية التي تعامل معها النظام الاستعماري سواءٌ من خلال معاهدات الحماية أو عبر اتفاقيات (الصداقة) والانتداب والاستثمار المختلفة، فالوحدات الإدارية التي دخلت في إطار اتحاد الجنوب العربي، أو لم تدخل، قد كانت عباراة عن وحدات قلبية تحت مسمى السلطنات والمشيخات والإمارات باعتبارها حالة واقعية غير قابلة للتجاوز أو القفز عليها.
2. من المهم أن نتذكر أنه حتى تلك التمردات والمواجهات التي شهدتها بعض المناطق الجنوبية قد اخذت عناوين قبلية، ويذكر المؤرخون العديد من الانتفاضات والمعارك والمواجهات المسلحة بين القوات الاستعمارية وبين بعض المناطق، أمثال انتفاضة سيبان والمناهيل بحضرموت، انتفاضة أبناء بيحان والربيزي في العوالق وأبناء يافع بقيادة السلطان محمد بن عيدروس وانتفاضة أبناء الصبيحة، ومقاومة أبناء الازارق في الضالع بقيادة الشيخ محمد عواس وتمرد السلطان علي عبد الكريم سلطان العبادل على الاتفاقية المقترحة من قبل السلطات البريطانية، وانتفاضات بعض القبائل في المحافظات المعروفة اليوم بأبين وشبوة والمهرة وحضرموت ما يؤكد أن حضور القبيلة في ظل الاستعمار البريطاني لم يقتصر على تلك العلاقات الرسمية التي صممها المستعمر ومهندسوه ومستشاروه على مجرد الاتفاقيات الموقعة مع بعض القادة القبليين.
3. إنه وبنهاية العام ١٩٦٧م وتحقيق الاستقلال الوطني وإعلان جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية فقدت القبيلة بعضاً من حضورها السياسي والاجتماعي وتواصل تَقَلُّصُ دورها ومكانتها بقيام المؤسسات الرسمية والمجتمعية التي صارت تعبر عن جميع المنتميين إليها، سواء من خلال قيام المنظمات النقابية والاجتماعية المختلفة (النقابات، الاتحادات، الجمعيات، والهيئات التعاونية والإنسانية) أو من خلال توسيع حضور مؤسسات الدولة من سلطات تنفيذية محلية ومحاكم ومراكز شرطة وقيادات سياسية ومؤسسات وهيئات تنفيذية وخدمية وشعبية مساندة لمؤسسات الدولة، وما رافق ذلك من أصدار القرارات والقوانين والنصوص الدستورية التي صارت تنطبق على جميع المواطنين الجنوبيين، بغض النظر عن انتماءاتهم الجهوية والقبلية والعشائرية أو مستوياتهم التعليمية والوظيفة والاجتماعية وهو ما أدى أوتوماتيكيا إلى فقدان القبيلة مساحة واسعة من نفوذها وسلطاتها الاجتماعية والسياسية بطبيعة الحال، وبالعكس فقد دفع ذلك الكثيرين من الوجهاء والقادة القبليين إلى الانخراط في المؤسسات والمنظمات المجتمعية الجديدة التي تعبر عن قيم ومقومات المجتمع الجديد.
ولا يمكن إنكار بعض الشطحات غير الواقعية التي تم اتباعها مع بعض الزعماء القبليين ذوي النزعة الوطنية من قبل النظام الوليد، لكنني ما زلت اتذكر ذلك الزمن الذي كان فيه الكثير من الوجهاء وقادة القبائل والعشائر يتدافعون جماعياً للانخراط في صفوف المراكز الثقافية واللجان الشعبية والفلاحية، وانخرط بعضهم في صفوف الجبهة القومية والحزب الاشتراكي لاحقاً، ولعب الكثير منهم أدواراً وطنيةً لا يمكن الاستهانة بها في العمل الاجتماعي والوطني، السياسي والامني والدفاعي، وصار منهم القادة السياسيين والاجتماعيين والعسكريين والامنيين، والتحق أبناء الكثير من القادة القبليين في المدارس الحكومية ومدارسة أبناء البدو الرُحَّل ثم في الجامعات في الداخل والخارج وتخرج منهم الأطباء والمهندسون والقادة الحقوقيون والعسكريون ورجال الدولة من مختلف المستويات.
لقد انصهرت القبيلة في إطار الدولة وصارت جزءًا منها، وهذا بطبيعة الحال لا يعني الذوبان الكلي للقبيلة، حيث بقيت ترسبات وبقايا عناصر الوعي القبلي والعشائري في تجاويف وثانيا العقل الباطن للعديد من الأفراد، وحتى الجماعات، وللأسف كانت هذه البقايا تستيقظ كلما سَخُنَت أجواء الصراعات السياسية مما جعل تأثيرها السلبي حاضراً في مسار التحولات والارتكاسات والتعرجات السلبية التي رافقت المسيرة الجنوبية خلال الفترة ما بين ٣٠ نوفمبر ١٩٦٧م و٢٢ مايو ١٩٩٠م، وهذا بطبيعة الحال لم يحُل دون بقاء وتنامي الحضور الفاعل لمنظومة الدولة ومؤسساتها التي بقيت راسخةً حتى كارثة ٢٢ مايو وما تلاها من مؤامرات ومكائد بلغت ذروتها في ٧/ ٧ ١٩٩٤م، عند ما سقطت الدولة الجنوبية كليةً في قبضة الجماعات العسكرية والقبلية والدينية الوافدة من الدولة الشقيقة الغازية، التي يقوم نظام الحكم فيها على التحالف بين (الدولة المفترضة) والقبيلة الحاضرة بقوتها ونفوذها وسطوتها وثقافتها الراسخة منذ عقود وقرون خلت، والتي لم تنجح الثورة السبتمبرية في اجتثاثها واستبدالها بثقافة الدولة.
5. وبسقوط الدولة الجنوبي في العام ١٩٩٤م الظروف لانبعاث بعض ملامح الثقافة ومن ثم الممارسات القبلية والعشائرية التي لم تكن قد اندثرت بشكلٍ نهائي، بيد إن الأسباب الموضوعية لإعادة انبعاث هذه الثقافة لم تكن كافية، ولذلك لجأ نظام ٧/٧ إلى إعادة إحياء وتجذير العامل الذاتي من خلال محاولة استقطاب العديد من الوجهاء القبليين والعشائريين في الجنوب وتغذية النزاعات وحروب الثأر القبلية التي كانت دولة الاستقلال الجنوبية قد طمرتها بسلسلة القوانين والإجراءات النوعية خلال ربع قرن من الزمن، وفي هذا السياق تجب ملاحظة عنصرين مهمين ارتبطا ارتباطاً وثيقاً بمحاولة إعادة إحياء الظاهرة القبلية من خلال:
أ. عجز الكثير الجماعات (القيادية) القبلية التي حاولت البروز بعد سقوط الدولة الجنوبية عن لعب الدور المماثل والوريث لأسلافها، حيث افتقد الكثيرون من هؤلاء القادة إلى القدرة على صناعة الفعل المرتقب منهم مجتمعياً بسبب تقييد حركتهم وأنشطتهم بمعايير السلطة القائمة على الاجتياح والاستبداد والهيمنة وعزل هؤلاء القادة عن قواعدهم الاجتماعية وتطلعاتها وحاجاتها، بل لقد صار الكثيرون (وليس الجميع) من هؤلاء الـ(وجهاء) موضع سخرية واستهزاء حتى من قبل من يفترض أنهم اتباعهم ومواطني مناطقهم.
ب. لقد قيد نظام ٧/٧ حركة هؤلاء بحدود تكريس سياسات نظام صنعاء الوافد عن طريق الغزو، وبذلك لا هذا النظام قدم من الأفضليات ما يجعل الجماهير الجنوبية تؤازر سياساته ونهجه الاجتماعي القائم على نزعات الغزو والاستحواذ والسلب والنهب، ولا هؤلاء القادة القبليون استطاعوا أن يقنعوا (أتباعهم) بافضليات النظام الجديد بثقافته وسلوك قادته وأنظمته المستوردة والغريبة عن المجتمع الجنوبي وثقافته وتاريخه وهويته الوطنية.
6. من المهم ملاحظة أن حرب الغزو والاجتياح التي تعرض لها الجنوب قد أدت فيما أدت إلى محاولات طمس الهوية الجنوبية من خلال عدة مساعي استهدفت تذويب الشخصية الجنوبية في إطار الشكل الجديد من هجين الدولة والقبيلة اليمنيتين، لكن هذه العمليات السوسيو-سياسية بقدر ما ألحقته من أضرار بتركيب وثقافة المجتمع الجنوبي ومحاولات أحياء الأنماط البالية من العلاقات التي خففت دولة الاستقلال من حضورها، فإنها وبالقدر نفسه قد أدت إلى بعث الشعور بفقدان الهوية الجنوبية الأم التي تجذرت ونمت خلال أكثر من ربع قرن في وجدان أبناء الجنوب، وهذا الفعل أدى إلى تنامي ظاهرتين متباينتين تمثلتا في:
أ. تنامي انتشار الأنشطة والأفعال والأفكار التي يتمسك من خلالها الناشطون السياسيون والاجتماعيون والمثقفون الجنوبيون بالهوية الجنوبية بمستويات لم يشهدها المجتمع الجنوبي حتى خلال فترة الدولة الجنوبية (1967-1990م) وذلك من خلال ما عُرِفَ لاحقاً بفعاليات الحراك السلمي الجنوبي.
ب. وبالمقابل تنامي ظاهرة البحث عن هويات بديلة بعضها تحمل الطابع الاجتماعي والخيري والإنساني، وبعضها تحمل مسميات القبيلة والعشيرة، لكن كل هذه الأشكال لم تستطع أن تروي عطش المواطنين إلى كيانٍ يعبر عن هويتهم المفقودة بفعل مساعي الصهر والتذويب التي حاولت جماعات الحرب والغزو تفعيلها، والتي كما أشرنا لم تحقق ما كان النظام يحاول تكريسه.
وفي هذا السياق تجد الملاحظة أن أكثر الجماعات العمرية انخراطاً في هذه الفعاليات تنتمي إلى مواليد ما بعد العام 1990م،من أولائك الذين فتَّحوا أعينهم ووعيهم على دولة الغزو التي أعتقد أساطينها بأنهم سيكونون الجيل مغسول الأدمغة ممن لم يعيشوا زمن الدولة الجنوبية، أو ما صار يعرف بين أوسع طبقات وشرائح المجتمع الجنوبي بـ”الزمن الجنوبي الجميل”.
* * *
ومع كل الاعتزاز بالأدوار الوطنية للكثير من القادة القبليين الجنوبيين سواء في مواجهة الاستعمار البريطاني ورفض سياساته، أو في مرحلة البناء الوطني خلال فترة الدولة الجنوبية (1967-1990م) أو في مرحلة المواجهة السلمية ثم المسلحة مع غزاة 1994م وورثتهم غزاة 2015م، أشير إلى أن اقتلاع النباتات الضارة أصعب بكثير من مجرد نثر بذورها ومن ثم انتشارها، لكن ليس هناك شرّاً غير قابل للاقتلاع، وما أعنيه هنا أن قيام نظام صنعاء عندما عمل على تشجيع الثارات القبلية والحروب البينية وتشجيع الثقافة القبلية واستقطاب الكثير من الوجهاء القبليين، إنما فعل ذلك ليس حبًّا في زعماء القبائل ولا تقديراً للقبائل ذاتها ولكن من أجل مواجهة القبائل ببعضها وتعميم الثقافة القبلية الوافدة ومحو آثار الدولة الجنوبية، ولئن كان نظام صنعاء قد نجح في بعض مساعيه في هذا السياق، فإنه قد أخفق إخفاقا بيناً حينما انتفض الشعب الجنوبي عن بكرة أبيه في وجه نتائج حرب 1994م، ورأينا مرة أخرى العديد من الوجهاء القبليين يتخلون مرة أخرى عن هذا النظام الوافد عن طريق العزو وينضمون إلى صفوف الشعب الجنوبي في معركته من أجل استعادة دولته وهويته وكيونته الوطنية.
إن نضال الشعب الجنوبي من أجل استعادة دولته لا يعني شيئا سوى العمل من أجل إعادة إحياء مؤسسات الدولة ونظامها وقوانينها ودستورها، وكل هذه الضوابط والمعايير لا يمكن استعادتها بدون العمل الجاد من أخل ترسيخ الوعي بها وتثبيتها ولو عن طريق القوة القهرية، لكن المؤسف أننا نلاحظ الكثير من الممارسات والمعاملات التي تتم من خلال إعادة بعث تلك الثقافة المستوردة الغريبة على مجتمعنا، وقد لاحظنا الكثير من حوادث النزاعات والمواجهات والمخالفات التي يمارسها بعض الأفراد سواء كمواطنين عاديين أو بعض المسؤولين والقادة العسكريين والأمنيين، ثم يليها احتشاد القبائل من الطرفين أو من الطرف المجني عليه، ويترتب على ذلك توجه الأطراف المقربة من الطرفين إلى استدعاء ثقافة 1994م لفضِّ نزاع بين فردين أو أكثر عن طريق العدول وما يسمى بالمربع والمثمن والمحدعش، والأكثر مدعاة للأسف والاستغراب أن ينخرط في هذا النوع من الأفعال قادة مدنيين، فنلاحظ محافظاً للمحافظة، أو مديراً للمديرية أو قائداً للأمن أو رئيسا لإحدى هيئات المجلس الانتقالي، يتخلى عن وظيفته ومهمته الوطنية ويعود إلى قبيلته ليتزعم اللجوء إلى ثقافة نحر الثيران أو تقديم الضمانات على الطريقة القبلية، واستخدام أساليب لا تمت بصلة لمجتمعنا وثقافتنا وتاريخنار، من المسميات التي أشرنا لها ذات المسميات والمفردات المتخلفة التي لا يمكن أن تتناسب مع النضال من أجل بناء دولة النظام والقانون والمؤسسات والمواطنة المتساوية.
وباختصار شديد وقبل نهاية هذا البحث أشير إلى ما يلي:
أولاً: أن القبيلة لا يمكن أن تبني الدولة حيث إن ثقافة القبيلة هي نقيض لثقافة الدولة ولا يمكن للنقيض أن يبني نقيضه، والخصم لا يساهم في تمكين خصمه، والعيب كل العيب أن ندَّعي أننا نناضل من أجل أن نتحرر من غزاة 94م و2015م ونحن نمارس ثقافة هؤلاء الغزاة وعاداتهم وتقاليدهم الوافدة والغريبة على ثقافتنا وتقاليدنا، وقبل هذا لمستقبلنا وتطلعاتنا وأهداف نضالنا.
ثانياً: إن أي تفكير باستعادة الدولة الجنوبية من خلال تكريس فكر القبيلة والمنطقة والجهوية هو تفكير لا يخلو من الشيزوفرينيا السياسية، لأنه يحمل في طياته من العناصر غير المرئية ما ينسف كل حديث عن لدولة الجنوبية المدنية الديمقراطية التعددية دولة النظام والقانون والمؤسسات، دولة العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية.