شارك الخبر
بقلم/ د.جيهان رفاعى
صنع النيل أرض مصر الخصبة علي شكل نخلة باسقة، الوادي من أسوان الي القاهرة جذعها و الدلتا من القاهرة الي المتوسط جريدها المتشابك وهذه النخلة هي واحه الصحراء يحيط بها الرمل و الصخر من كل حدب وصوب … فلم تكن صدفة ان يتخذ المصريون القدماء من النيل ألهاً لهم أسموه “حابي” يتضرعون اليه طلبا للحياة فهو مصدر للحياة وشريانها، إليه يهرب كل من احاطت به مشكلاته وهمومه ليستعيد هدوئه من هدوء سطحه وعلي شاطئيه تستكين ثورات نفسه وقد قال رسول الله صلي الله علية وسلم:
(سيحان و جيحان و النيل و الفرات كل من أنهار الجنة)
ولذلك قضية المياه قضية حياتية جوهرية توفرها يعني الحياة ونقصها وإساءة استخدامها يعني الفقر والفناء ولذلك تشغل المياه بال السياسيين قبل الاقتصاديين في كيفية تنميتها والتحكم فيها وتكتسب قضايا المياه في الوطن العربي اهميتها وخطورتها من تعدد الأبعاد المتعلقة بها وتشتمل على أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية، مما جعل ملف المياه يحتل الصدارة وإن كان غير معلن في استراتيجيات الدول الكبري كهدف رئيسي يجب امتلاكه والسيطرة عليه والتحكم فيه ويبدو ذلك جاليا في مؤامرات وخطط الكيان الصهيوني المتعلقة بالمياه، فسيبقي الخطر الأسرائيلي والطمع في الحصول علي مياه النيل من عام 1949م أي بعد اقل من عام علي أعلان الدولة حيث قدمت العديد من الخطط والمشروعات لإيصال مياه النيل إلي صحراء النقب في فلسطين خصوصا وأن اسرائيل تعاني من نقص حاد في المياه الجوفية لذلك فهي المحرض الرئيسي ضد مصر في قضية مياه النيل فاسرائيل تربطها علاقات حميمية مع كينيا ولديها العديد من البرامج الثنائية في المجالات السياسية والأمنية والعسكرية والأقتصادية فهي تخطط لتفكيك التجمع الأقليمي الذي يضم دول حوض النيل العشر تحت أسم دول “الأندوجو” حتي يتثني لها فرصة الحصول علي مياه النيل بأبخس الاثمان سواء من مصر او من غيرها من دول الحوض … ومما لاشك فيه ان التحرك بفاعلية وبصورة متكاملة في جميع الاتجاهات شأنه ان يحدث نقلة نوعية من التقارب والتفاهم وسيقضي علي ما يحاك لمصر من الصهيونية العالمية التي تلعب ليل نهار في عقول عدد من الحكومات وشعوب دول منابع نهر النيل، هذا وقد تزايد اهتمام الكيان الصهيوني بأثيوبيا لعدة اسباب منها زعمه بأنه يعيش في أراضي أثيوبيا “الفلاثامورا” ورثة تابوت سيدنا سليمان والذي ليس مستبعداً أن يكون الكيان الصهيوني يعد خطط لمحاولة سرقته او الحصول عليه بأي ثمن كما زاد اهتمامه بأثيوبيا لأهميتها الاستراتيجيه جغرافياً وديموغرافياً وسياسياً كما انها غنية بالموارد الطبيعية خاصاً المائية وفي اراضيها تجري العديد من الأنهار، ويعد تغلغل الكيان الصهيوني بالقارة الأفريقية تهديد مباشر للأمن المصري وقد تستند المطامع الأسرائيلية في نهر النيل إلى نص التوارة القائل: (فقطع مع ابراهيم ميثاقاً بأن يعطي لنسله هذه الارض بنهر مصر الي النهر الكبير نهر الفرات)، وعلي هذا الأساس تحددت الأطماع الصهيونية في نهر النيل عبر تاريخها الطويل، فما هو الخيار لدينا الآن وخاصة بعد بناء اثيوبيا سد النهضة وتنصلها من كل الاتفاقيات الدولية بحجة أن قوى الاستعمار هى التى أبرمت عنها هذه الاتفاقيات مع أن القانون الدولي يعترف بها ووقعت على الاتفاقية كلا من لندن وروما كممثلين عن دولتين محتلتين آنذاك هى مصر وإثيوبيا دون مراعاة إذا كانت هذه الدول تحت وطأة الاستعمار أو الوصايا، والقانون الدولي ينص على أن المعاهدات الدولية يجب أن تحترم ولا يمكن تعديلها أو نسخها الا بموافقة الطرفين، ولكن بعد الخلاف الذى حدث فى إتفاقية غنتيبى باوغندا عام ٢٠٠٧ بين دول المنبع من جهة و دولتى المصب مصر والسودان من جهة أخرى حول بند الأمن المائى وذلك لرفض دول المنبع الإعتراف بحقوق مصر والسودان، وهذه كانت بداية الأزمة، وكان هنا اللجوء للقضاء الدولى اختيارى ولا يمكن أن توافق اثيوبيا على الذهاب للتحكيم لأن لا يوجد اتفاق بين الدولتين أو وثيقة تنص على شرط التحكيم عند الخلاف، وتنص المادة ٣٣ من ميثاق الأمم المتحدة أن تدافع مصر عن حقها في مياه النيل عن طريق حل المنازعات الدولية بالوسائل السلمية وهى مبدأ التفاوض ثم المساعى الحميدة ثم الوساطة ثم لجان التحكيم وهذه حلول سياسية ليس لها قوة إلزام قانونى، وقد فشلت الوساطة التى قامت بها الولايات المتحدة بعد فشل التفاوض والوساطة تعتبر من المساعى التى يقوم بها ملوك أو رؤساء يحاولون التقريب فى وجهات النظر من خلال الدول التى لديها نفوذ قوى واستثمارات فى إثيوبيا، ثم انتقلنا بعد الفشل إلى مجلس الأمن وتشكيل لجنة تقصى الحقائق لبحث المشكلة على ارض الواقع،ثم اللجوء إلى محكمة العدل الدولية ورفع قضية تطلب فيها مصر إدانة السد لأنه بنى بالمخالفة لقانون الأمم المتحدة لمياه الأنهار لعام ١٩٩٧، والذى يحتم أن تكون سدود دول المنابع صغيرة ولا تعوق وصول المياه لدول المصب أما هذا السد صنف أنه أكبر سدا فى أفريقيا، كما أن القانون الدولى يحتم مبدأ الأخطار المسبق وله بنود كثيرة واهمها يتحتم على الدولة التى ترغب فى بناء سدا أن تعد جميع الدراسات اللازمة وخاصة البيئية والاقتصادية والاجتماعية والتدفقات المائية وتسليمها إلى دولة المصب وتمهلها سته اشهر قابلة للتمديد للموافقة على بناء السد وإذا رفضت دولة المصب يتم اللجوء إلى الأمم المتحدة للتحكيم والفصل فى الامر، وهذا لم تفعله اثيوبيا وإقامت السد بإرادتها المنفردة ولم تخطر مصر بدراسات وهذا ضد مبادىء القانون الدولي ويعتبر تهديد للسلم والأمن الدولى وعمل من أعمال العدوان، ورغم تحصن مصر بعدد من الاتفاقيات التى تضمن لها حقوق تاريخية فى مياه النيل إلا أنها فى حاجة إلى إعادة النظر فى سياسة مصر الخارجية تجاه افريقيا والقيام بدور فعال فى تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي فى دول حوض النيل حتى تتصدى لأى تدخلات خارجية تسعى لتهميش الدور الإقليمى المصرى فى أفريقيا وأهمية إجراء اتصالات مباشرة وغير مباشرة مع تكوينات داخلية لدول حوض النيل مثل المجتمعات المدنية والقبائل مما يدعم موقف مصر لدى الرأى العام الافريقي، والتوجه إلى إبرام اتفاقيات اقتصادية وسياسية وأمنية لتقليل التأثيرات السلبية لتدخلات القوى الخارجية، مع استمرار التوافق بين الموقف المصرى والسودانى فى مفاوضات مياه النيل والعمل على الاستفادة من القدرات السودانية فى التأثير على مواقف بعض الدول، مع ضرورة توجيه الاهتمام للتحركات الإسرائيلية فى دول حوض النيل للوقوف على مدى تقاطعها فى بعض جوانبها مع مصالح مصر فى هذه الدول، ومصر منذ البداية وحتى النهاية تتمتع بمرونة كبيرة وبفهم تجاوز كل الحدود المتوقعة لمصالح الطرف الاثيوبي فى هذا النزاع وتأكيدها باستمرار على تقيدها بمبدأ التسوية العادلة المتوازية التى تحفظ لكل طرف حقوقه ، فقد تصرفت مصر بما يعفيها من اى لوم دولى يمكن أن يوجه إليها بالتسرع والاندفاع دون إعطاء جهود التسوية السلمية المهلة الكافية، وتمتعت بدرجة تحسد عليها من الهدوء وضبط النفس، وبعد الوصول إلى هذه النتيجة الخاذلة التى لم يعد يجدى فيها إهدار المزيد من جهود الحل الدبلوماسى وإضاعة الوقت فيه، فانه يصبح من حق مصر أن تتحول عن الخيار الدبلوماسى السلمى إلى الخيارات الأخرى التى يمكنها بها أن تحمى أمنها القومى والمائى المهدد وتحافظ على حق شعبها فى الحياة بعيدا عن عدوان اى دولة على هذا الحق الذى لا يقبل المساومة عليه أو التفريط فيه .