شارك الخبر
عندما ذهبت الفتاة (سوزان بريسو) تقول لأسرتها الفرنسية:
“أُريد الزواج من الشاب طه حسين”!
— ردت الأم: كيف ذلك؟
— وقالت الأخت: “أجنبي”؟
— وقال الخال؟ “أعمى”؟
— وقالت الخالة: “وفوق ذلك كله مسلم”؟
ثم بصوت واحد قالوا جميعًا:
— “لا شك أنك جُننتِ تمامًا”
《 2 》
كان طه حسين – الطالب بالبعثة المصرية بجامعة السوربون
– وبعد فترة تعارف بينهما – قد جاء لها ذات يوم قائلًا:
” لا بد من أن أقول لكِ أمرًا”!
— ردت: “وما هو؟”
— قال دون تردد: “أنا أحبك”!
— ردت بدهشة: “لكني لا أحبك”!
— قال بحزن: “آه”!
ثم قال بعدما ارتفعت حالة الشجن في صوته:
“إنني أعرف ذلك جيدًا”
— ردت: “تعرف ماذا”!
— قال: “أعرف جيدًا أنه مستحيل” ثم ختم كلامه قائلًا:
“لعل ما بيننا يفوق الحب”! وبعد أيام وأسابيع شعرت سوزان هي الأخرى بحب طه، ولذلك قررت أن تناضل من أجله أمام أسرتها الرافضة إلى أن جاءها الدعم من العم” وكان عمها قسيسًا”!
《 3》
حضر العم (القس) ليتعرف على هذا الطالب الشرقي الذي خطف قلب تلك الصغيرة. التقى به وخرجا معًا للتنزه في الحقول وبعد ساعتين من الحديث والنقاش بينهما قال لها:
“بوسعك أن تنفذي ما عزمت عليه”!
— قالت وهي تبتسم:
“أأتزوجه”؟!
— رد: “طبعًا…!! ثم أكد قوله: “بوسعك أن تُنفذي ما عزمتِ عليه”!
— ردت الأم: “كيف”؟
— وردت الأخت: “أجنبي”!
— ورد الخال: “أعمى”!
فرد القس قائلاً لها:”لا تخافي”! ثم قال بجدية واضحة في كلامه وهو ينظر للأسرة المتحفزة:
“بصحبة هذا الرجل – أي طه حسين يستطيع المرء أن (يعيش) بالحوار ما استطاع إلى ذلك سبيلًا..”!
وبالفعل تزوجته وعاشت معه ما بين باريس، والقاهرة، وريف محافظة المنيا – جنوب القاهرة – (267 كم) – مسقط رأس طه حسين – وصالت، وجالت، وزارت الأهل معه هناك – وجلست، وعاشت ليالٍ طويلة مع (ناسها) و(ناموسها)، وطينها، وفلاحيها البسطاء الطيبين!
《4》
وذات يوم عادت لزيارة أهلها في باريس وتركته في القاهرة.. في اجتماع – لأسباب علمية ومنهجية – حضره طه حسين مع أحمد لطفي السيد – أستاذ الجيل – وحضره أحد المشايخ – كان اسمه الشيخ عبدالحميد بخيت – الذي سأل طه حسين:
“هل أنت متزوج؟
— نعم يا سيدي! تزوجت فرنسية؟
— ولماذا تزوجت فرنسية؟ ثم بلهجة جادة، حادة قال:
” لو كان بيدي لأصدرت قانونًا ينفي كل مصري يتزوج من أجنبية؟ (قالها وضحك الثلاثة)!
ثم سأله:
“يا دكتور طه أود أن أفهم منك الأسباب الحقيقة التي حملتك على الزواج من أجنبية؟
— رد: “وما المانع في ذلك”؟
— قال: “أنت مصري ووطني وعظيم الذكاء”؟
— رد: “يا سيدي لقد قابلت فتاة وأحببتها فتزوجتها، ولو لم أفعل ذلك لبقيت عزبًا أو تزوجت نفاقًا”!
— قال: “نفاقًا..كيف”؟
— رد: “بما أنني كنت أحب امرأة أخرى وتزوجت من فتاة مصرية.. ألا يعد ذلك نفاقًا ؟! ناهيك عن أنني كنت سأجعل منها امرأة تعسة”!
— رد الشيخ وهو يهز عمامته بتململ:
“هذا أمر لا أستطيع تصوره!”
— رد طه حسين:
“وهذا أمر لن تسطيع تصوره دومًا يا فضيلة الشيخ”!
وانتهى الحوار بينهما… (لا) الشيخ اقتنع برأي الدكتور (طه)
و(لا) الدكتور طه اقتنع برأي الشيخ (بخيت)!
《5》
وبذلك الحوار – رغم اختلاف الزمان والمكان – نصبح نحن – أو التاريخ – أمام رجلين وموقفين ورأيين. الرأي الأول صاحبه رجل دين – قس – يوافق على الزواج من أجنبي، ومسلم، وفوق ذلك أعمى!
والرأي الثاني: صاحبه رجل دين – شيخ – ويرفض الزواج من فتاة أجنبية لا لشيء؛ إلا لأنها أجنبية.. ليبقى السؤال ماذا لو كان هذا (الشيخ) مكان (القس) عندما احتاجت تلك الفتاة إلى مشورته ورأيه؟
هل كان الرد سيساعد في زواج هذه الفتاة الفرنسية، المثقفة، الجميلة، الهادئة، الوديعة، المؤمنة، بعبقرية هذا (الأعمى) والتي تعرفت عليه في بعثة الدراسة يوم (12 مايو 1915) وأحبته، وساندته، وساعدته، وتحملته، وسهلت له كل أمر صعب وعسير – أم إنه كان سيقول لها:
“هذا أمر لا أستطيع تصوره”!! فيحرمها من هذا الحب الجميل، الصادق، الفريد.
ويحرمنا نحن من أدب، وفكر، وعبقرية (العميد)؟!
… عميد – الحب – والأدب العربي؟!!
خيري حسن
—————–
• المصادر:
كتاب: “معك” سوزان طه حسين – (الذكريات الشخصية مع عميد الأدب العربي) طبعة دار المعارف – كتب أكتوبر – 1979.
•الصور:
(الدكتور طه حسين مع زوجته الفرنسية سوزان بريسو)