شارك الخبر
عنوان جانبي من قصة ” الخروج من الدائرة الحمراء” الصفحة 41-
كانت تجربة ساحة الشهداء تجربة رائدة فريدة وجريئة، بدءاً بالفكرة والتفرد باتخاذ القرار والاقدام عليه وتنفيذه وحتى انجازه لأنه من الصعب ان لم يكن من المستحيل في تلك الحقبة الزمنة وما شابها من تباينات في الرؤى ان تجد مثل هكذا مشاريع الدعم الكافي او حتى الاهتمام من القيادة آنذاك، الا ان الارادة والاصرار والقدرة على توحيد الجهود ودفعها في الاتجاه الصحيح كانت في مقدمة كل عوامل النجاح في اعتقادي، حيث كانت المبادرات الطوعية شبه اسبوعية تقريبا موزعة على مختلف القطاعات والمرافق الحكومية في المحافظة، وقد شارك الجميع والكل اسهم وترك بصماته منذ الانشاء حتى الانتهاء.
كتبت ذات يوم في صحيفة الطريق الى محافظ ابين الاسبق (السعدي) اوصيه بشجرتي خيرا، تلك الشجرة التي غرستها في عام 82م ضمن المبادرات التي شاركت فيها مع كل الاخوة والزملاء ابان مرحلة التأسيس لبناء هذا الصرح التنموي السياحي الترفيهي الفريد. وفي هذا اليوم شارك ما يربو عن الالف طالب وطالبة من مختلف مدارس زنجبار وجعار واعطي لكل طالب غرسة يضعها في مكانها المخصص وحسب رقمها المثبت بجذعها، وهكذا تحولت تلك المساحة الجرداء الى واحة خضراء خلال دقائق.
حضر الرئيس اليمني على عبدالله صالح على راس وفد كبير من قيادة الدولة في الجمهورية العربية اليمنية الى جانب الرئيس الجنوبي الاسبق علي ناصر محمد وعدد من مسئولي الحزب والدولة في الجنوب حفل الافتتاح الذي شهده ملعب الشهداء الدولي بالساحة ومن فعاليات الافتتاح العروض والتشكيلات الرياضية واللوحات الخلفية المتميزة وكذلك سحب اليانصيب الكبير على 3 سيارات كانت معروضة في زوايا الملعب.
اما افتتاح المسبح الاوليمبي فقد شارك 3 شبان من ابناء شقرة في سباق الافتتاح وعندما لم تكن هناك جوائز للفائزين اضطر الرئيسان صاح وناصر الى خلع ساعتيهما اليدوية فكانت الرولكس من نصيب الفائز الاول والرادو للثاني ومسحا على راس المتسابق الثالث بيديهما (الكريمتين).
لا أدرى كم كان يصرف من اموال على المسرح تحديدا لان الحفلات الفنية والغنائية تكاد لا تنقطع، او ان المناسبات كانت تتابع سريعا، وربما كانت ايامنا كلها حفلات ومسارح.
ساحة الشهداء باختصار هي مدينة صغيرة يوجد بها الفندق والسوق والملاعب والملاهي والحدائق ومطاعم واذاعة ومسرح ومسبح ومعارض علمية وثقافية وزراعية وتجارية، فكانت زنجبار ابين بكل ما تقدم دوحة الجنوب وقبلة الزائرين ومرسى الأحبة.
كنا نصنف في المدرسة الى صنفين الأول المنتظمين وينطبق علينا، والثاني المؤهلين وهم المدرسين الذين التحقوا بدار المعلمين للتأهيل بما يتناسب والمناهج الدراسية الجديدة، والاجمل ان نكون نحن وبعض مدرسينا في فصل دراسي واحد ونتنافس بشراسة على المراكز المتقدمة في الترتيب العام.
نجتمع في الاستراحة يوميا مع بعض اساتذتنا الاجلاء ومنهم الأستاذ المرح ابوبكر سالم البريكي والاستاذ المبدع محمد احمد عبدالله الحاكم، وكان المركاز الخاص بنا امام غرفتنا المتواضعة نهاية الرواق جنوبا ..
يبدأ الاستاذ محمد يتأوه كعادته (آه منك ياعقيل) كلما اشعل سيجارته ونظر الى زميلنا عقيل، اما عقيل فيكتفي بابتسامة مألوفة ولا تعليق.
التقيت الاستاذ محمد احمد الحاكم بعد مرور 20 سنة تقريبا وكان يخفي تحفظه على عدم تذكّره لي خلف القاب يكررها كلما اشار الي بالحديث كـ (السيد) او(صاحب احور)، فقلت له بعد ان ذكّرته بنفسي يبدو انك لا تذكر من دفعتنا الا عقيل وآه منك ياعقيل؟، قال نعم اذكره جيدا لانني التقيه احيانا في زنجبار، اما آه منك ياعقيل التي كنت ارددها (ذيك الايام) لانه كان ممتاز في اللغة العربية كونه مدرسا لها قبل ان ينتظم معكم للدراسة، ولانني في السنة الاولى بعد التخرج كنت أخشى اسئلته وملاحظاته وهذا كان يكلفني على البحث والتحضير الامر الذي يجهدني احيانا .
الاستاذ البريكي عينه على الرايح والجاي متحفز دائما للمواجهة، له تعليق ظريف كلما مرّ امامه سرب طالبات لا تروقه ملابسهن او تبرجهن فكان يردد يا بناتي من شافكن بايقول (حشحش يا قصب حشحش) وكنَّ يخجلن من المرور امامه تحاشيا لتعليقاته المدوية.
ليه كذا بالله
احبابي وكانوا يحبوني
وبعد الحب راحوا وخلّوني
امرهم لله..
كان هذا زميلينا الضحوك دائما مفتاح رضامي عبدالله، يردد المقطع أعلاه من اغنية العطروش وهو ينضم الى الشلّة ويجلس بجوار عازف القانون الشهير الاستاذ صالح حسين الكيلة الذي كان نائب العميد، وبجوارهما يجلس شاعر الاغنية المرحوم عمر عبدالله نسير وكان يعمل مراسلا في المعهد حينها.
يسأله الاستاذ البريكي:
ايش شعورك يامفتاح وانت تجلس بين اثنين من عمالقة الفن في الجمهورية؟
يرد مفتاح بخفة: اشعر وكأني عطروش،، وراح يكمل ما بداه ..
الدنيا دنية والزمن كبّاس،،
في اللحظة الهنية (اسكبوا ياناس)، وهو يمدد يده ممسكا بفنجان الشاهي وسط ضحكات الجميع.