شارك الخبر
د. أفندي المرقشي
المسؤول الذي يُفترض أن يحمي المواطن، هو أول من ينهب رزقه ويغلق باب العدالة في وجهه. لكن الأمل موجود، والناس بدأت تعي من هو الصادق ومن هو “المتسلق”، والمرحلة القادمة تحتاج وعي شعبي وتحرك موحد خلف قيادة نظيفة، لا تبحث عن الكرسي بل عن كرامة الإنسان. فكل مواطن جنوبي أصبح اليوم يعاني من انهيار العملة التي وصلت إلى اسعار خيالية (الدولار = 2500 و الريال السعودي 655 مقبل الريال اليمني) والغلاء الفاحش والرواتب المعدومة. وبينما تتسع فجوة المعاناة يوماً بعد يوم، تغيب الحلول الجذرية. وهذا المشهد الكارثي لا يُفهم من سطحه فقط، بل يتطلب قراءة شاملة من مختلف الجوانب لكشف حجم العبث وأطرافه المتورطة:
1. أسباب انهيار العملة اليمنية في الجنوب (وخاصة عدن): هو نتيجة غياب الدولة الحقيقية والمؤسسات السيادية، حيث ان الجنوب لا يحكمه نظام دولة متكامل، بل خليط من القوى والولاءات، وهذا يجعل السياسات النقدية والمالية ضعيفة أو غير موجودة أصلاً. إن الانهيار المتسارع للعملة المحلية يبدأ من عدن، حيث تتحكم مافيات الصرافة التي تكاثرت بشكل غير مسبوق، وتعمل بلا رقيب أو حسيب، تحت غطاء شخصيات نافذة داخل السلطة، وبحماية تشكيلات عسكرية خارجة عن إطار النظام والقانون، ولاتعمل على حماية المواطن من فساد المتنفذين وجشع التجار.
2. هذا الانفلات المالي جاء ايضا نتيجة غياب النظام المالي المركزي، الذي يمثل السبب الجوهري وراء التلاعب بسعر صرف الريال مقابل العملات الأجنبية، وعلى رأسها الدولار والريال السعودي.
3. طباعة العملة بدون غطاء من قبل البنك المركزي في عدن حيث تم طبع كميات كبيرة من العملة المحلية دون وجود احتياطي نقدي حقيقي، مما أدى إلى فقدان الثقة بالريال وانخفاض قيمته.
4. الفساد الإداري والمالي: النخب المتحكمة في الموارد (النفط، الموانئ، الجمارك) تستغلها لمصالحها، دون أن تعود الفائدة على الشعب، بل تذهب كأرصدة شخصية.
5. الصراع السياسي والعسكري: وجود تعدد القوى العسكرية المناطقية، دون ان تحكمها قيادة وطنية واحدة، أثر بشكل مباشر على الاقتصاد، ومنع قيام نظام اقتصادي واضح ومستقر.
6. غياب الرقابة وضعف الأداء الحكومي: لا توجد رقابة على الأسواق، ولا سياسات لدعم المواطن، ولا أي حماية من جشع التجار، الذين يرفعون الأسعار بشكل جنوني.
7. الطبقة الفاسدة في السلطة: هم أول المستفيدين من هذا العبث، فكلما ضعف الريال زادت ثرواتهم بالدولار والريال السعودي، واستفادوا من فارق الصرف في السوق السوداء.
8. . تجار العملة والسوق السوداء: يربحون من تقلبات سعر الصرف ومن معاناة الناس، في غياب تام لأي رقابة أو محاسبة.
9. بعض القوى الخارجية والداخلية: التي تريد إبقاء الجنوب في حالة ضعف حتى لا تقوم له قائمة، ولكي يستمر في التبعية والارتهان، ولا يطالب بحقه في تقرير مصيره.
للاسف تحوّلت عدن إلى سوق مفتوح للفوضى المالية، وبيئة خصبة للمتاجرة بقوت المواطن دون أدنى اعتبار لمعاناته أو لوضع البلاد الاقتصادي المنهار اصلا. إن الانهيار الاقتصادي الذي يعيشه الجنوب ليس ناتجًا عن الصدفة، بل هو نتيجة مباشرة لعوامل داخلية وخارجية مدروسة، تهدف إلى تركيع الشعب الجنوبي، وكسر إرادته، وثنيه عن مواصلة نضاله المشروع في سبيل تقرير مصيره. إنها محاولة خبيثة لإجهاض حلم الجنوبيين في استعادة دولتهم المستقلة، وبناء الجنوب الفيدرالي العادل الذي ينشده كل حر وشريف. ومع كل هذا الألم والمعاناة، سيظل الجنوبيون متمسكين بحقهم، ماضين بثبات نحو الحرية والكرامة، مهما كانت التحديات. ولا يمكن أن تستقر الأوضاع في الجنوب، وبالأخص في العاصمة عدن، في ظل هذا العبث والفساد المستشري، والانهيار الاقتصادي المتسارع، وارتفاع الأسعار، وتدهور العملة، وانقطاع او انعدام الكهرباء والمياه وتدهور الخدمات الأساسية من تعليم وصحة وغيرها. فلقد بات من الواضح أن لا أمل في التغيير الحقيقي إلا بوجود رجال مخلصين، شرفاء، يخافون الله ويتحملون مسؤولية شعبهم بإخلاص. الجنوب بحاجة اليوم إلى نهضة جديدة، إلى ثورة جنوبية صادقة، يقودها أحرار مؤمنون بعدالة القضية، ويناضلون بصدق ضد كل من يعبث بقوت وكرامة المواطن الجنوبي، أيّاً كان موقعه أو انتماؤه.
وبناء عليه يستحيل الوصول إلى أي حلول حقيقية للاستقرار الاقتصادي دون تحقيق استقرار سياسي شامل، وهو أمر بات صعب المنال في ظل الشراكة الهشة مع ما تُسمى بالشرعية، من قبل نخبة فاسدة تتستر خلف شعارات النضال، بينما هم في الحقيقة جزء أصيل من منظومة الفساد التي تنهش الوطن وتمنع أي مشروع وطني جنوبي حقيقي من النهوض. لذلك فان الحل الجذري يتمثل في استعادة دولة الجنوب على أسس جديدة، من خلال بناء نظام مؤسسي قوي قائم على القانون لا على الولاءات. وتطهير مؤسسات الدولة من الفاسدين والمنافقين، ومن يستغلون المنصب لمصالح شخصية. إدارة الموارد بشكل شفاف يعود بالنفع على الشعب، لا على الجيوب الخاصة. ربط الرواتب بسعر الصرف، وتثبيت أسعار السلع الأساسية. وجود نخبة وطنية صادقة تحمل هم المواطن، لا هم الرصيد البنكي. فالجنوب لن يستقر إلا بوطن مستقل وقيادة وطنية شريفة.