شارك الخبر
2025-05-20
العميد صلاح الدين أبوبكر الزيداني
خلفية تاريخية
للوقوف على ما يجري من أحداث خلال هذه الفترة بين البلدين الجارين والشقيقين العدوين الهند وباكستان والتي يدور بينهما صراع سياسي وعسكري قديم حول أقليم كشمير المتنازع عليه , لا بد أن لنا من استحضار جزء من تاريخ الصراع الهندي الباكستاني الذي يُعد من أطول وأكثر الصراعات تعقيدًا في العالم الحديث، حيث تمتد جذوره إلى فترة ما قبل الاستقلال عن الحكم البريطاني وهو صراع قديم متجدد له أبعاد تاريخية عرقية ودينية وجغرافية وسياسية لا يمكن حصره ضمن إطار زمني مُحدد.
بعد أن قسمت الهند البريطانية إلى دولتين بموجب قانون الإستقلال الهندي الذي أصدره البرلمان البريطاني في 1947م بدأت بذور الصراع تنمو وتكون انقسامات عميقة بين المسلمين والهندوس في شبه القارة الهندية , لم تكن هذه الانقسامات جديدة، لكنّها تفاقمت خلال هذه الفترة، مما أدى إلى مطالب بالتقسيم وإقامة دولتين منفصلتين هما الهند وباكستان ( التي كانت تضم بنغلاديش قبل أن تنفصل عنها لاحقا مطلع سبعينيات القرن العشرين ) رسمت الحدود ووقعت منطقة كشمير الواقعة شمال غرب الهند وشمال شرق باكستان كمنطقة فاصلة متنازع عليها بينهما وهكذا ترك الباب مواربا بينهما لتصبح صارت للمناوشات وشن الحرب التي قامت بينهما لاحقاً.
أدعت كلاً من الدولتين ملكية تلك المنطقة الجبلية التي يسكنها بحسب تقديرات عام 2000 حوالي 90 % مسلمين وهندوس وبوذيين بنسبة 9%.
يتمتع إقليم كشمير بموقع جغرافي إستراتيجي متميز بسبب وجوده على ارتفاع شاهق في قمم جبال الهملايا يشرف على مناطق إستراتيجية في كل من الهند وباكستان والصين تبلغ مساحته الإجمالية أكثر من 223 ألف كيلومتر مربع، وتتوزع حدوده على أربع دول، هي الهند وباكستان وأفغانستان والصين , ويمتد على منطقة تتسم بتضاريس جبلية وعرة ويحوي ثروات طبيعية هائلة ومع ذلك ظل لعقود ضحية للصراعات السياسية والعسكرية التي أعاقت تنميته.
في تقسيمها الأولي للأقليم اعتمدت بريطانيا على أساس ديني، مما تسبب في موجات هجرة على نطاق واسع لمسلمي الهند إلى باكستان ولهندوس باكستان إلى الهند في خضم مواجهات طائفية بين الطرفين، وأوعزت بريطانيا بعد انسحابها إلى المناطق التي يحكمها الأمراء بأن تنضم إما إلى الهند أو باكستان وفقا لرغبة سكانها، مع مراعاة التقسيمات الجغرافية في كل إمارة غير أن ثلاث إمارات لم تتخذ قرارا بهذا الشأن هي حيدر آباد (جنوبي الهند) وجوناغره (غربي الهند) وكشمير (شمالي الهند) التي كان وضعها مختلفا عن الإمارتين السابقتين، فبعدما فشلت في الحفاظ على استقلالها، قرر حاكمها الهندوسي “المهراجا هاري سينغ” الانضمام إلى الهند متجاهلا رغبة الأغلبية المسلمة بالانضمام إلى باكستان ومتجاهلا القواعد البريطانية السابقة في التقسيم , وهذا الوضع تسبب في تمرد المسلمين الكشميريين في سبتمبر1947.
لهيب الصراع المميت.. تاريخ الدم والنار بين الهند وباكستان | القاهرة الاخبارية
تطورت الأحداث بعد ذلك بشكل متسارع لتتحول إلى حرب بين الهند وباكستان استمرت حتى عام 1949، لتنتهي بتدخل وساطة دولية وتوقيع اتفاقية كراتشي التي قسمت كشمير إلى منطقتي نفوذ جزء تحت السيطرة الهندية (يشمل جامو ولاداخ ووادي كشمير) وآخر تحت السيطرة الباكستانية (يشمل ما يعرف بآزاد كشمير وجيلجيت بالتستان)، لتبدأ بذلك مسيرة واحدة من أطول النزاعات الإقليمية في العصر الحديث.
معظم سكان الإقليم في كشمير لا يحبذون العيش تحت إدارة الهند، بل يفضلون الاستقلال أو الاتحاد مع باكستان.ويشكل المسلمون في ولايتي جامو وكشمير الخاضعتين للإدارة الهندية، أكثر من 60 في المئة من نسبة السكان، مما يجعلها الولاية الوحيدة داخل الهند ذات الغالبية المسلمة.
حروب ونزاعات مسلحة
خلال الفترة الممتدة بين أعوام 1965م – 1999م شهد إقليم كشمير مرحلة تصاعدية حادة في الصراع بين الهند وباكستان، وسلسلة من الحروب والمواجهات العسكرية والاتفاقيات الدبلوماسية التي شكلت ملامح النزاع الذي إستمر منذ تلك الفترة ولا يزال قائماً منذ عقود , بدأت المرحلة بحرب 1965 التي سميت بحرب كشمير الثانية واندلعت بعد عملية “جبل طارق” الباكستانية، حاولت فيها باكستان اختراق الخط الفاصل في كشمير عبر تسلل مقاتلين بهدف إثارة تمرد محلي في الأقليم ضد السلطة الهندية فردت الهند بهجوم مضاد واسع على جبهة لاهور، مما أدى إلى واحدة من أكبر معارك الدبابات منذ الحرب العالمية الثانية , انتهت حرب 1965 بتبني ما سمي “إعلان طشقند” عام 1966م الذي جرى بوساطة سوفياتية بعد 17 يوما من القتال العنيف، بعد توقيع الاتفاق الذي أعاد الطرفين إلى حدود ما قبل الحرب دون تغيير جيوسياسي واضح على حدود الأقليم.
وفي العام 1971م تصاعد التوتر مرة أخرى مع اندلاع الحرب الثالثة بين الطرفين، التي ارتبطت بأزمة بنغلاديش، إذ عمدت الهند إلى دعم المتمردين البنغاليين ضد باكستان الشرقية، مما أدى إلى انفصال بنغلاديش بعد حرب دامية وشرسة أسفرت عن مقتل 3 ملايين شخص.
وتتوالى المناوشات بعد ذلك في مرحلة جديدة العام 1972م مع إتفاقية “شيملا” بترسيم “خط السيطرة” وهو عبارة عن حدود مؤقتة، لكنها تحولت إلى حدود دائمة بحكم الأمر الواقع، مع تأكيدها على حل النزاع عبر المفاوضات الثنائية دون تدويل القضية.
ثم جاءت مرحلة مغايرة وهي بداية الظهور التمرد المسلح في العام 1989م الذي لا يزال قائما الى اليوم وكانت هذه المرحلة محطة مهمة في الصراع الهندي الباكستاني حيث ظهرت “جبهة تحرير جامو وكشمير” لتقود التمرد المسلح في كشمير كأبرز فصيل مقاومة ضد الوجود الهندي , الهند أتهمت الجبهة بأنها مدعومة من الباكستان ومع هذا التطور اللافت تحول الإقليم إلى ساحة لعمليات جهادية مسلحة ومواجهات دموية مع الجيش الهندي.
بلغ التصعيد ذروته في عام 1999 مع حرب “جبال كارجيل”، عندما تسللت وحدات مقاتلة باكستانية إلى مواقع استراتيجية هندية في جبال الهمالايا، لترد الهند بعملية عسكرية ضخمة شملت قصف جوي وتدخل بري مباشر، واعتبر ذلك آنذاك أول مواجهة تقليدية بين دولتين نوويتين لتنتهي الحرب بعد 74 يوما بانسحاب القوات الباكستانية تحت ضغط دولي قادته الولايات المتحدة الأميركية.
آخر تلك المواجهات كانت في أبريل من العام الجاري 2025، حيث تعرضت منطقة “بهلغام” السياحية إلى هجوم مسلح نفذته بحسب قول الهند جماعة مسلحة مدعومة من باكستان استهدف مجموعة من السياح الهندوس أسفر عن مقتل 26 شخصا، في حادثة أثارت غضبا واسعا في الهند، واتهمت مباشرة ما قالت إنها “جماعات مسلحة مدعومة من باكستان” بالوقوف خلف الهجوم.
شاهد فى دقيقة.. القصة الكاملة للصراع الدموى بين الهند وباكستان – اليوم السابع
ردا على ذلك، شهدت المنطقة في مطلع مايو 2025 تصعيدا عسكريا غير مسبوق بين الهند وباكستان، إذ تبادل الطرفان ضربات صاروخية استهدفت مواقع متفرقة من البلدين، مما أدى إلى سقوط ضحايا إضافيين ودمار في المناطق الحدودية. وبلغ عدد الضحايا من الجانبين 56 قتيلا على الأقل، فضلا عن عشرات الجرحى.
أدت هذه الأحداث إلى توتر دولي، ودعت عدة دول إلى ضبط النفس وحل النزاع عبر الحوار، بينما أعلن كلا البلدين حالة التأهب القصوى لقواتهما خوفا من تحول الأزمة إلى مواجهة شاملة، إلى أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في العاشر من مايو 2025 التوصل لاتفاق يقضي بـ”وقف إطلاق نار كامل وفوري” بين الطرفين.
قدرات عسكرية متباينة
مع أن المعلومات المتعلقة بالقدرات العسكرية الحقيقية للدول عادة ما تحمل درجة سرية كبيرة ولا يصرح بها في وسائل الإعلام إلا بشكل محدود وفي بعض الأحيان لغايات محددة ومع أن الصراع بين البلدين يعد أمرًا معقدًا ويتطلب النظر في عدة عوامل مترابطة، بدلاً من التركيز على مقارنة بسيطة لكمية الأسلحة فقط.
لكن من خلال الميزان العالمي تحتل الهند الترتيب الرابع عالمياً بجيش يقترب تعداده من 1.4 مليون مقاتل مع سباق تسلح محموم بين الطرفين له أهمية بالغة لكونهما قوتان نوويتان.
فالهند تتفوق على باكستان تقنيًا وعددًا بجيش كبير مع وجود قوات برية وبحرية وجوية ضخمة وهي تمتلك ترسانة نووية منذ السبعينات وتشغل مزيجًا من الأسلحة والعتاد العسكري الحديث والقديم ( دبابات وصواريخ باليستية ذات مدى بعيد، وغواصات، ومقاتلات متطورة) مع تبنيها برامج متطورة ومستمرة لتحديث وتطوير قدراتها العسكرية وبرامج تصنيع متقدمة.
ومع ذلك تواجه الهند تحديات لوجيستية كبيرة نظرًا لحجم جيشها الضخم، بالإضافة إلى بعض المشاكل الإدارية في التنسيق بين أفرع القوات المسلحة الثلاثة.
أما باكستان فعلى الرغم من صغر حجم جيشها مقارنةً بالهند، الذي يبلغ تعداده 654 ألف جندي عامل فقد تحصلت الترتيب الـ12 ضمن أقوى الجيوش العالمية لعام 2025 وتسعى بقوة لتطوير جيشها مع تركيزها على جاهزية قواتها بحسب طبيعة التهديدات المحددة التي تواجهها، وهي تهديدات أكثر تركيزًا على الحدود وأقليم كشمير وتتلقى باكستان دعمًا عسكريًا كبيرًا من الصين وروسيا ودول أخرى، مما أثر على كفاءة قواتها العسكرية وقدرتها الضاربة وجاهزيتها للتصدي للتهديدات المباشرة بشكل مباشر مع التلويح بترسانتها النوويةً التي شكلت عاملًا مهماً في التوازن العسكري في المنطقة.
ما يميز الصراع العسكري الهندي الباكستاني هو تأثيره الكبير على الاستقرار الإقليمي والعالمي بسبب امتلاك الطرفين أسلحة نووية، ما يجعله من أخطر النزاعات الأقليمية الأخرى حول العالم , كما أن العوامل الدينية والجغرافية والتاريخية تجعله أكثر تعقيدًا من بعض الصراعات الأخرى.
تملك الدولتان أساطيل من الطائرات المسيّرة المحلية والمستوردة وتعمل كلاهما على تطوير التكنولوجيا محلية الصنع في هذا النوع من السلاح الذي يعتبر حديثاً وحاسماً وتتصدر الهند في هذا الجانب وهناك تقارير تقول بأنها ستشغّل حوالي خمسة آلاف طائرة مسيرة منها ما هو متقدم كمسيرات (MQ-9B SKYGUARDIAN) و ( HALE) خلال عامين إلى أربعة أعوام مقبلة.
وفي المقابل تملك باكستان طائرات مسيّرة أقل من الهند، لكنها تقنياً تتميز بقدرات متنوعة مثل المراقبة والاستطلاع والضربات الدقيقة وتكمن نقاط القوة الرئيسية للطائرات الباكستانية المسيّرة في الخبرة القتالية كمسيرة البراق المحلية الصنع بالإضافة إلى استيراد طائرات مسيّرة متطورة من تركيا والصين.
ميزان القوى متباين إلى حد كبير بين الطرفين وبحسب تقرير صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام تنفق الهند تسعة أضعاف ما أنفقته باكستان على الدفاع خلال عام 2024، أما القوة البرية فتمتلك الهند أكثر من 4200 دبابة و1.5 مليون مركبة مدرعة , بينما تمتلك باكستان ما يزيد عن 2600 دبابة، وأقل من 18 ألف مركبة مدرعة.
ووفقاً لمعهد (جي إف آي).تمتلك القوات الجوية الهندية 2.229 طائرة، منها 513 طائرة مقاتلة و130 قاذفة، بينما تمتلك باكستان أقل من ذلك بـ 830 طائرة وهكذا مع القوات البحرية حيث يتألف أسطول البحرية الهندية من 293 سفينة، وهو أكثر من ضعف حجم أسطول البحرية الباكستانية.
وهناك البرنامج الصاروخي الهندي المتنوع، والذي يتكون من صواريخ (بريثفي) التي يتراوح مداها بين 250 و600 كيلومتر وصواريخ سلسلة (أغني) التي يتراوح مداها بين 1.200 و8.000 كيلومتر، بالإضافة إلى سلسلتي صواريخ كروز نيربهايا وبراهموس.
وتمتلك الهند 172 رأساً نووياً، بينما تمتلك باكستان 170 رأساً نووياً وفقاً لتقديرات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام كما يسعى البلدان إلى امتلاك قدرة تزويد الصواريخ برؤوس حربية نووية متعددة وهذا يخلق ما يُعرف بـ”الردع المتبادل”، لكنه لا يمنع التصعيد المحدود، بل يضبط إيقاعه فقط ولكن ينبغي الإعتراف بأن التغلب على باكستان لا يعد أمراً سهلاً بالنسبة للهند، ولذلك فالعواقب ستكون وخيمة جداً في حالة مواجهة محتملة بينهما.
يعتبر الصراع الهندي الباكستاني من النزاعات طويلة الأمد التي تحتاج إلى حلول سياسية ودبلوماسية متوازنة مع إعطاء التنمية الاقتصادية المكانية واستقرار الوضع الداخلي أولوية للحد من مستوى التوترات وتصريفها في أنشطة أخرى موازية , كما أن التعامل الحكيم مع القضايا الدينية والإثنية مهم لتجنب تجدد النعرات والمناوشات وتجنب التصعيد العسكري، وفي المجمل تعد هذه الأمور ضرورية لضمان مستقبل أكثر سلامًا للبلدين.
لهيب الصراع المميت.. تاريخ الدم والنار بين الهند وباكستان | القاهرة الاخبارية
سباق السلاح المحموم بين الطرفين وإختبار القدرات العسكرية للطرفين لمعرفة إمكاناتهما يبقي الوضع متأزماً خاصة وأن رغبة الطرفين متعارضة في تحقيق سلام دائم بينهما والمستفيد الأكبر من هذا الجو المشحون بالعداوة بين باكستان والهند هو دول تقود العالم مثل الصين والولايات المتحدة الأميركية وروسيا ، فالصين لا تريد جيراناً أقوياء بالقرب من حدودها، وليس لديها مانع في تأجيج الخلافات بينهما، وهي المستفيدة حينما تبيع السلاح لباكستان والأمريكان كذلك مع وضع الهند والروس كذلك وهكذا فآلة الحرب لن تتوقف وستعاود الكرة متى ما توفرت الحجج والأسباب بينهما ولذلك فمن الأجدى بناء استراتيجيات مستقلة لضمان مصالحها بدلًا من الاعتماد على تدخلات خارجية تراوغ وتؤجج حيناً وتسعى للتهدئة حيناً آخر.
بعيدا عن لغة السلاح المهلكة والمدمرة للحياة قد تنجح المبادرات والمشاريع الإقتصادية المشتركة في تحقيق نمو اقتصادي كبير يرتبط بإدارة الصراع وتوجيهه للتوافق بين الطرفين كعامل إستقرار داخلي فالتنمية الاقتصادية يمكن أن تكون أداة فعالة في تخفيف التوترات وتعزيز الاستقرار والسلام ضمن أجواء ودية يسودها الوئام والعلاقات الطيبة بين دولتين مانت إلى زمن قريب دولة واحدة كاد لها المستعمر وقسمها ولا يزال يعمل على فرقتها وتناحر شعبها.
ومن وجهة نظر مستقلة أعتقد بأن البلدين مع ما تقوم بينهما من مناوشات وحروب إلا أنهما يمارسان التحلي بضبط النفس تلقائياً وذاتيا لعلمها بما يترتب عليه الصراع النووي من هلاك لهما ومن المستبعد أن يتطور الصراع بينهما إلى حرب واسعة أو نووية على الرغم من تهديدات الطرفين، والسبب أن كلا البلدين لا يرغب في تحمل تكاليف حرب ستكون حرب إبادة مرهقة ومستنزفة جداً للطرفين ولا يحمد عقباها.
الردع النووي لم يمنع الصراعات المتتالية وهذا يشير إلى أن الردع النووي دون وجود آليات سياسية حقيقية، لا يمكنه تأمين الاستقرار الدائم بل أنه يخلق حالة من الحذر الترقب المتبادل