شارك الخبر
شهدت الأيام الماضية واحدة من أخطر مراحل التصعيد بين إيران وإسرائيل منذ عقود، بعدما نفذت تل أبيب سلسلة من الضربات المباشرة استهدفت قلب البنية النووية والعسكرية الإيرانية، وأدت إلى مقتل قيادات بارزة من الحرس الثوري والقوات المسلحة. هذه الضربات وضعت طهران أمام اختبار بالغ الحساسية يتعلق بردها المنتظر، وحجم قدرتها على استعادة الهيبة والردع.
الرد الإيراني الذي جاء لاحقًا والذي هو مستمر حتى الآن، تمثل في إطلاق عشرات الصواريخ والمسيّرات باتجاه العمق الإسرائيلي. لكن على الأرض، لم تحقق هذه الضربة نتائج استراتيجية ملموسة، بعدما اعترضت معظمها المنظومات الدفاعية الإسرائيلية، واقتصر ضررها بشكل ملحوظ على البنية التحتية المدنية.
لكن الواقع أكثر تعقيدًا من مجرد مقارنة عددية بين الضربات وخسائر الطرفين. إيران يبدو أنها لا تفكر بمنطق الضربة مقابل الضربة، بل تعتمد على استراتيجية “النَفَس الطويل” التي تقوم على الرد في الوقت والمكان المناسبين، وبأدوات غير تقليدية. وهذا ما يجعلنا أمام قراءة مختلفة: قد يكون الرد العسكري ضعيفًا، لكن الحسابات الاستراتيجية عميقة وحذرة.
أحد أبرز المؤشرات اللافتة هو غياب أي تحرك نوعي من وكلاء إيران الإقليميين. حزب الله التزم الهدنة مع إسرائيل، ولم ينفذ عمليات خارجة عن المألوف. الحوثيون بدورهم، لم يعلنوا عن أي هجمات على إسرائيل أو المصالح الأمريكية منذ أسابيع ما عدا هجوم واحد يتيم. كذلك، لم تقدم الميليشيات العراقية على أي رد مؤثر أو تصعيد.
هذا الغياب شبه الكامل، لا يمكن تفسيره إلا بوجود تعليمات إيرانية مباشرة بعدم التصعيد، على الأرجح لتجنب توسيع المواجهة إلى حرب إقليمية شاملة لا تملك إيران القدرة على خوضها حاليًا. فالوضع الداخلي في إيران هش، والاقتصاد مأزوم، وأي تصعيد كبير قد يؤدي لانفجار داخلي لا تحمد عقباه.
في المقابل، يبدو أن طهران اختارت طريقًا آخر للرد: الاحتفاظ بالثأر إلى توقيت أنسب، وربما بوسائل مختلفة. كما أنها حسب المعلومات لا تزال تحتفظ بكميات اليورانيوم المخصب في منشأة فوردو الحصينة تحت الأرض.
هذه المقاربة تنطوي على مخاطر. فكل تأخير إضافي في الرد النوعي قد يُفقد إيران هيبتها أمام جمهورها الداخلي وأمام حلفائها الإقليميين. كما أن إسرائيل قد تفسر هذا التباطؤ على أنه ضعف، مما يشجعها على تنفيذ ضربات أعمق وأكثر جرأة. وهو ما يحدث الآن حيث سيطر سلاح الجو الإسرائيلي بشكل كامل على المجال الإيراني.
الرد الإيراني كان ضعيفًا عسكريًا، لكنه باعتقادي لم يكن اعتباطيًا. هو رد مدروس ومرتبط بسياق استراتيجي أوسع، لكنه أيضًا محفوف بالثمن السياسي والمعنوي إذا لم يتبعه تحرك نوعي مدوٍّ يعيد التوازن الرمزي على الأقل.
المنطقة اليوم لا تعيش مرحلة توتر فقط، بل “كمونًا خطيرًا”، وقد نكون أمام تمهيد لمرحلة أكثر عنفًا أو تفاهمات خلف الطاولة. الأكيد أن إيران لم تقل كلمتها الأخيرة بعد.
يعقوب السفياني