شارك الخبر
سالم فرتوت
بينما كان المدعو فلان الفلاني يغط في نوم عميق’بشخير لم يخف على كل ذي سمع قريب منه’وفمه النتن مفتوح عن آخره’حرر لسانه نفسه من سطوته’تسلل من فمه ووقع على الوسادة’واثار بقع بنية داكنة كمسحوق التبغ تشويه’وقبل أن يهبط من السرير باتجاه باب غرفة النوم كاد يصرخ بصاحبه :(فلان عليك اللعنة’ياوغد!)
وهبط عبر قائمة السرير’فمضى ينط كالضفدع باتجاه الباب’فتحه محاذرا أن يصدر صوتا’ وقبل أن يمضي مبتعدا قال:(لقد ضقت درعا من وقاحتك!)
وتسلل حتى الباب الخارجي’ومضى يبحث عن فم محترم’ولم يجد افضل من فم مدير المدرسة الكهل الوقور الذي لم يسمعه أحد يتلفظ يوما بكلمة نابية’بخلاف ذلك الذي رمزنا له لفلان الفلاني المشرف على العمال العضليي رجالا ونساء في إحدى المزارع’الذي خلا قاموسه تقريبا من كل كلمه حسنة! فهو يصرخ باستمرار ومستعد دائمآ للشتيمه بأبشع الكلمات’حتى ضاق لسانه درعا منه واتخذ قرارا بالهروب والظفر بفم مهذب صاحبه.
في تلك الأثناء من الليل الذي بلغ هزيعه الأخير’كان ثمة كلاب تنبح وحمار ينهق’وديكه . تحث الشمس أن تشرق.
ومضى اللسان الهارب’يتشبث بجدران المنازل’محاذرا أن يقع لقمة سائغة لكلب أو قط جائع!
مضى اللسان الذي اذله صاحبه يبحث عن فم يعزه’وهو يتسلل هاربا وجد نفسه في غرفة مدير المدرسة الذي لم يعرف قاموسه الكلمات البذيئة التي طال بها صاحبه السابق مرؤوسيه وجيرانه لأتفه الأسباب!
صعد سرير مدير المدرسة’واستغل ثغرة في فمه بينما كان هو الآخر يغط في نوم عميق’واندس في الفم العطر’الفم الذي اسر لسانه قلوب معارفه حتى انه رد مرة على شتيمة ذلك اللسان بقوله:(كل ما جاء منك مقبول يااخي الله يحفظك!)
وهاهو يندس في فمه طامعا في خوض تجربة جديدة عليه لاينطق فيها غير الكلام المهذب الذي هو من ذهب !
اندس في الفم المسالم الوديع”زاحم لسان مدير المدرسة حتى ازاحه وحل مكانه’وطرده شر طرده’وفر من صوته النكير’ومثله مضى يبحث عن فم يحتضنه’ولم يجد غير الفم الفارغ الذي تمرد لسانه عليه.
انحشر اللسان الوردي في في الرجل البجح الوقح.’والرجل يتململ كأن ناموسه تلسعه ‘والليل قد اثر السكينة’اذ غفت الكلاب’واستسلمت الدبكه للنوم بعد أن أدركت أن الشمس لاتشرق استجابة لأمر منها!.
كانت المروحة تدور بأقصى سرعة فوقه’واللسان الذهبي يزرع نفسه في فم صاحبنا’وقبله فعلها لسانه إذ ثبت نفسه في فم مدير المدرسة.حتى إذا أشرقت الشمس’ وصحا هذا أحس بأنه قد صار شخصا آخر’فقد انتشرت جراثيم اللسان الغريب في جسده كله’اذ هتف بزوجته:(اصحي يااتاني)!
وتململت المرأة وهي تظن أن أتاني كلمة جميلة كتلك التي اغدقها عليها من قبل وسألته:(ما معنى أناني)؟
كان يجلس على السرير متجهما وقد مد رجليه:(أتاني اختصار لجملة انت حياتي.)
ومالبث أن صاح بها ثانية:(انهضي ياحمارتي!)
دهشت المرأة’ فلاول مرة تسمع منه مثل هذه الكلمة! ترى مابه اليوم يقول لها تارة أتاني وأخرى حمارتي؟
وعاد يهتف بها:(هيا انهضي وعدي الفطار ! مايك تتململين بابنت الأفاعي؟)
وإذ أخذ المدير المحترم يشتم زوجته كان ذلك الوغد يحاول عبثا أن يهاجم امرأته ويوجه لها الأوامر بوقاحة’ لم يطاوعه اللسان الذي ازاحه لسانه من فم المدير الوقور’ولاول مرة تسمع منه زوجته كلاما رقيقا ادهشها من مثل:(ياحبيبتي’ ياحياتي نامي وقري عينا ولاتشغلي نفسك بي!) وطمعت في المزيد منه ‘أو أنها أرادت أن تتأكد اهي في حلم أم في علم ؟! وهناك في منزل مدير المدرسة نهضت ربة البيت محمرة الوجه’ وقد استحوذ عليها هاجس مغادرة بيت الزوجية’ لولا أنها التمست العذر لزوجها الذي’ لأمر ما’ حاد لسانه عن صوابه.
اعدت له وجبة الإفطار ومازال يدمدم بكلمات غير لائقة بحقها وبحق أبنائه! وفجأة شد لسانه بيده وخاطبه بهمس مسموع بعد أن اغتسل في الحمام:(تبا لك لست لساني ماذا جرى لك؟ اهدأ ياارعن!)
تدللت زوجة رئيس العمال العضليين على زوجها’الذي صار رقيقا معها’اذ واصلت نومها’والرجل جائع تطالبه معدته بطعام الإفطار.شد لسانه هو الآخر وهو يستعد لمغادرة المنزل متسائلا:(ماذا جرى لك ياوغد صيرتني خجولا كعذرا؟! )
غادر مدير المدرسة بيته مرتديا بذلته الأنيقة’ بوجه شابه التجهم’وصل مكتبه’وكان الطلاب وبعض المعلمين قد وصلوا قبله’وكالعاده توقف التلاميذ عن شقاوتهم حتى اختفى في مكتيه’كان يحس بأنه يريد أن يشتم’ ويصرخ مغضبا بهذا وذاك لأبسط الأسباب!
اما الآخر فقد اربكه اللسان المسالم الذي اعتاد اجمل الكلام! إذ أحس أنه فقد هيبته’ومايدري انى سيتصرف معه مرؤوسوه. لكن رد فعلهم كان مفاجأة غير متوقعة منه فقد أسعدهم منه منطقة الجديد الذي راح يحفزهم بهدوء ويمنحهم مطلق الحرية في ممارسة أعمالهم.سرهم منه اليوم كلامه الخالي من وقاحته المعهودة! فتفانوا في العمل بكل سرور.لكنه في قرارة نفسه اعتبر ذلك شفقة منهم يتصدقون بها عليه.
في تلك الأثناء كان مدير المدرسة يهتف بمدرس طويل تأخر عن الطابور الصباحي:(ارجع واصل نومك في حضن مرتك الشمطا!) ابتسم المعلم لظنه أن المدير يمزح..لكن المدير أكد على قوله:(اما تسمع يابني آدم انت؟)_اعنرى الذهول التلامذة والمعلمين’فليس هذا هو مديرهم المحبوب ! وكاد ينشب شجار بين المعلم المتأخر وبين المدير’لولا تدخل المعلمين’اذ مضى بعضهم بالمدير إلى مكتبه’ وآخرون دفعوا المعلم إلى وجهة أخرى’ والمسكين لايعلم ماذا جرى للسانه’لكن معلما ذا سمع قوي كان يقول لنفسه كأني اسمع صوت فلان الفلاني ذلك الشتام اللعان’لعل المدير يتشبه به..وبالمثل كان أحد العمال العضليين يقول لأحد زملائه أن صاحبنا اليوم يتشبه بمدير المدرسة في منطقة’ وشتان بين الإثنين!!
لم يقو كل من مدير المدرسة ومشرف العمال العضليين على احتمال الوضع الجديد الذي افقد كل منهما هيبته.
تأخر المدير بعد ايام عن موعد حضوره الصباحي إلى المدرسة’اذ وجده أقاربه معلقا بمشنقة في غرفة استقبال الضيوف بمنزله!
اما الآخر فقد أطلق على فمه رصاصة من مسدسه’ تخبط على اثرها بدمه ثم أسلم الروح.
2021م