شارك الخبر
.
عُرفت الممارسة السياسية بأنها تحتمل العمل بين اسلوبين (ظاهر وباطن). لهذا أن كل ما يعلن قد لا يمارس في الواقع.. وإن الذي تخفيه السياسة في العلن، يُعد له في السر، والعكس صحيح.
فالقارئ الجيد هو من يحاول الإلمام في الظاهرة،من خلال رصد المُعلن ،والتفتيش عن ما خفي، بإستخدام مناهج البحث في تحليل عدد من المؤشرات وربطها بكل ما جرى ويجري، علنًا وسرًا.
الأزمة اليمنية المستمرة منذو ما يزيد عن عشر سنوات حرب، لم تلوح أفق نهايتها، إذ لم تحسم لصالح أي طرف، ناهيك عن تعدد اطرافها، وتوجاتهم ومشاريعهم المختلفة. المتناقضة تارةٍ والمتقاطعة تارةٍ اُخرى.
وعليه يظهر أن هناك إدارة خفيه تسّير الأمور نحو التهيئة للحلول القادمة من الخارج.
وقد لاحظنا كيف يتم إضعاف جميع الأطراف في الداخل. ونعرف جيدًا أن التحالف يحارب الحوثي وضد مشروعه.. لكنه لا يريد أنها الحوثي كليًا لأسباب قد يدركها البعض. وهو في الوقت نفسه غير مقتنع بمشروع الانتقالي.
لهذا عمل من بدري للاحتفاظ بالشرعية رغم ضعفها، ولا وجود لها على الأرض.
وخلال الحرب التي تقاطعت فيها مصالح عدد من الأطراف،حيث شكلوا معسكرًا مناوئ للحوثي.وفي إطار هذا التحالف جرت عدد من الصرعات والمواجهة المسلحة بينهما ( ما يسمى بالشرعية المدعومة من الخارج والمجلس الانتقالي الجنوبي) وبناءًا على ذلك تم استدعائهم إلى الرياض والتوقيع على وثيقة الشراكة، أي ما سميت بحكومة المناصفة، عام 2019.
ثم جاءت الخطوة الثانية وهي مشاورات الرياض التي حضرتها كل القوى الجنوبية باستثناء الحوثي، وخلافًا لما دار لمدة خمسة أيام تقريبًا في قاعات المشاورات، وقبل انتهاء موعدها بيوم فوجى المشاركون بخبر بثه التلفاز السعودي في الساعات الأخيرة من مساء اليوم ما قبل الأخير من انتها المشاورات، بأنتها المشاورات واعلان تشكيل قيادة جديدة الموسومة ب(مجلس القيادة الرئاسي)الذي ضم رئيس وسبعة أعضاء آخرون من القوى العسكرية الفعلية على الارض، وتم عودة الحكومة والرئاسة إلى عدن لممارسة مهامها الذي حددها مرسوم نقل السلطة، والمتمثلة في إدارة الحرب مع الحوثي سلمًا أو حربًا، ومعالجة قضايا الخدمات والعملة والرواتب في المحافظات المحررة. ومرت الايام ولم تفلح القيادة الرئاسية والحكومة في تخقيق ذلك..
إذ يبدوا أن الهدف الرئيس هو إيجاد مكان للشرعية والقوى السياسية الشمالية على أرض الجنوب،ليصبح الانتقالي جزء بسيط من هذا التكوين كشريك، ناهيك عن منّح الطرف الشمالي في هذا التشكيل أهم المراكز في الدولة، منصب رئاسة مجلس القيادة الرئاسي، ورئيس الحكومة، وكذلك رئيس مجلس النواب.
وبعد ثلاث سنوات من التشكيل تبيّن صحة الفرضية التي تقول بأن الشرعية لا تريد محاربة صنعاء نهائيا، بل أتضح ان هدفها محاربة عدن، ولكن هذه المرة عبر حرب الخدمات والرواتب ضنًا منها تثوير الشارع الجنوبي ضد المجلس الانتقالي بهدف ضرب المشروع الجنوبي، بحيث يصبح هم الناس الأول هو الحصول على القوت والكهرباء، قبل مشروعهم التحرري.
وهذا هدف لكل القوى الشمالية، ومن يقف خلفهم.
بينما كان الحوثي في الطرف الآخر قد عزز من وجوده على أرض في مناطق سيطرته،وقد ساعده في ذلك ضعف الشرعية.
وعليه فقد برزت موخرًا مؤشرات لاختراقات عدة من قبل اطراف في الشرعية تقدم نسفها البديل القادم للمقاربة السياسية في اليمن،
ربما تأتي فكرة الاحتواءات السياسية بهدف خلخلة الأوضاع وخلق الأزمات المتكررة، وتخفيف التمترس وراء مشروعي الحوثي، ومشروع الانتقالي، بوصفهما يشكلان تحدي أمام الخروج من الأزمة اليمنية من وجهة نظر هذه القوى التي تسعى لتقديم نفسها البديل في اليمن، رذما طالت تلك الاختراقات المزدوجة صفوف الطرفين..
وهذا ما اكدته تلك الاختراقات الحوثية التي وصلت إلى قمة هرم سلطة الحكومة الشرعية،وربما جرى ذلك بتسهيل واضح من قبل عناصر في الشرعية اليمنية الذين قدموا للعمل في عدن في السنوات الأخيرة .
إن مثل هذه الأعمال لايمكن أن تكون بعيدة عن فكرة الإدارة السياسية الخفية التي تتعامل مع الأزمة اليمنية؟.
والتي تجري بهدف خلخلة الوضع القائم والذهاب نحو أعمال أُخرى في الأيام القادمة؟.
فإذا ما نظرنا إلى بعض الأحداث التي جرت خلال المدة الماضية والمتمثلة في عدد من المؤشرات مثل تصريحات الرئيس العليمي في مطلع هذا العام الذي أشار فيها إلى “استخلاص الدروس من التجارب السابقة في التعامل مع جماعة الحوثيين، مشدداً على ضرورة التحقق من نوايا الجماعة وعدم الركون إلى وعود قد تكون مضللة… “. جاء ذلك خلال لقاءه يوم 28يناير الماضي برئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لدى اليمن، غابرييل مونيرا فيناليس، وسفراء كل من ألمانيا وفرنسا، بالإضافة إلى القائمة بأعمال السفارة الهولندية. الذي ناقش معهم في اللقاء قرار الإدارة الأميركية إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية.
بهذا الخطاب نلاحظ تحول كبير في الموقف من الجماعة الحوثية، هل هو تمهيد نحو تقبلهم في أي تغيرات قادمة؟!
وفي نفس الأسبوع أعلن قائد الحزام الأمني بعدن عن القبض على خليه تعمل لصالح الحوثي في رئاسة وزراء حكومة الشرعية، يقودها مساعد مدير مكتب رئيس الوزراء وقد تم تسليمه للقيادة العليا،الذين وعدوا بإكمال التحقيق معه وعودة للنيابة الجزائية، كانت المفاجاءة انه سمح له بالسفر إلى الخارج، وهذا ما دفع بقيادة الحزام الأمني الإعلان عن ذلك بمناسبة الحفل السنوي الذي تم فيه أستعراض منجزات الحزام الأمني خلال العام 2024م.
وقد تزامن ذلك مع صدور حكم المحكمة الجزئية البراءة عن متهمين قدمتهم النيابة الجزائية مع اعترافاتهم بانهم يعملون لصالح الحوثي، وهنا نتسأل هل ذلك يندرج نحو التقارب مع الحوثي؟.
وخلال هذا الشهر أيضا تابعنا ما جرى في حضرموت بعد كلمة نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي ورئيس المجلس الانتقالي في الامسية الرمضانية في شهر مارس الماضي والتي اشار فيها لتلك الاختراقات، وتابعنا ما جرى تصعيد للوضع هناك بعد هذا التاريخ.
وعليه فإننا نستنتج من ما ذكر اعلاه،السيناريوهات القادمة وهي الآتي:
أولا.. ربما هناك عمل قادم يُدار من بعيد عبر توسيع دائرة الاختراقات المباشرة وغير المباشرة، تعمل لخلق طرف يتقترب مع توجهات التحالف الذي يبحث عن خروجه من الأزمة اليمنية وتسليمها لطرف بعيد عن القوى المتشبته بمواقفها المعلنة مثل مشروع الانتقالى الذي ينادي باستقلال الجنوب.
ثانيا.. الذهاب نحو إعادة إنتاج شكل جديد لنقل السلطة من خلال إعادة هندسة القيادة الرئاسي،
وإعطاء دور لتكتل احزاب بن دغر.
ثالثا: تقسيم اليمن إلى مناطق حكم ذاتي تحت إطار الحكوميين الحالية في عدن صنعاء، كما جرى في بعض البلدان التي تعيش صراعات مستمر كاليبيا مثلا.
رابعا : منح كلٍ من الجنوب، والشمال سلطات روح الإدارة الاقليمية،بحكومات مصغرة ،وتبقى هناك حكومة مركزية عليا مؤقته تهيئى للتسويات النهائية.
صادر عن مركز مدار للدراسات والبحوث.
عدن 22 أبريل 2015م