شارك الخبر
د. أفندي المرقشي
المظلومية جزء من تاريخنا، نعم، ولا أحد يستطيع أن يمحوها أو يساوم عليها. لكن المظلومية وحدها لا تبني وطنًا ولا تعيد كرامة ولا تطعم جائعًا. الجنوب وعدن دفعتا ثمناً باهظاً من الدماء والجراح، ومع ذلك بقينا نحلم، نصبر، نراهن على غدٍ أفضل. غير أن الواقع اليوم أشد قسوةً: سلطات فاشلة، مؤسسات منهارة، فساد ينهش ما تبقى من حياة الناس، وانعدام شبه تام لأي أفق واضح للخلاص.
لا ماء، لا كهرباء، لا أمان، لا رواتب تكفي، ولا خدمات تحفظ الحد الأدنى من الكرامة. بينما المتنفذون يتصارعون على الغنائم، يكدس بعضهم الثروات في قصورهم، ويدفع المواطن البسيط الثمن فقراً وقهراً وإذلالاً.
لم يعد يكفي أن نرثي حالنا أو نعلق مصائبنا على شماعة “المظلومية”. الشعوب الحية تتجاوز آلامها ولا تستسلم لها. نحن بحاجة إلى أن نكسر هذا القيد، أن نرفض هذا الواقع بكل أشكاله، وأن نبدأ في رسم مشروع وطني جاد وحقيقي، لا شعارات فارغة ولا وعود كاذبة.
المعركة الحقيقية اليوم ليست فقط ضد عدو خارجي، بل ضد الفساد، ضد العجز، ضد استمرار العبث بمصيرنا ومستقبل أولادنا. المطلوب ليس البكاء ولا اجترار المآسي، بل رؤية صلبة، خطة عملية، وقيادات نزيهة قادرة على تحويل الألم إلى قوة، والغضب إلى فعل منظم يقودنا لبناء دولة تحترم إنسانها، لا تذله.
آن الأوان أن نستفيق، أن نسأل أنفسنا: إلى متى سنظل نعيش أسرى الماضي وعبيداً لفشل الحاضر؟ الجنوب وعدن تستحقان ما هو أفضل بكثير. لدينا فرصة، لكنها لن تنتظرنا طويلاً. الخيار أمامنا واضح: إما أن نبني وطنًا يليق بتضحياتنا، أو نستمر نلعن الظلام حتى يغرقنا تمامًا.