شارك الخبر
قبل ثلاثة أيام، أثناء زيارتي لدولة قطر استضافني أحد الأصدقاء الأعزاء، الذين اجتهدوا وتبوؤوا أرفع المناصب. وفي تلك اللحظة، وجدت في المجلس عددًا من طلابي الذين علمتهم في المرحلة الابتدائية، قبل أن أغادر البلد ومهنة المعلم . لقد كان اللقاء حافلًا بلحظات وجدانية عميقة، استدعت من الذاكرة ومن القلب والوجدان لحظات لا تُنسى. ودارت فيما بعد بيني وبين صديقي محادثات عميقة، تحدثنا فيها كثيرًا عندما كنا في مرحلة الشباب معًا، لأني كنت من هواة الفن والموسيقى والرسم. وفي تلك الجلسة، وجدت من بين هؤلاء الشباب أحدهم له ميول فنية، تعرفنا عليه من خلال وجود عود الطرب المسجى على الأريكة المقابلة من المجلس العامر، وأخذتنا تلك اللحظة، مع الحاضرين، إلى ذكريات جميلة، عندما كنا نقيم جلسات وناسة، وكنت أُشبع شغفي وحبي بالفن، والموسيقى والرسم.لقد جعلتني تلك الذكريات أعود إلى المراحل الدراسية، عندما كان الشغف والحماس يحملني على بساط الريح في بداية حياتي. وكانت تأسرني الحفلات الموسيقية التي نقيمها في مختلف المناطق، وأتذكر عندما كنا نتغنى بألحان لفنانين عظماء أفنوا حياتهم في خدمة الفن، والشعر، والأدب. إن تلك المواهب تحمل روحًا فلسفية عميقة، فهم يوثقون ثقافاتنا على مر العصور، ويحثّوننا على التفكير، ويثيروننا أحيانًا أخرى، ويفتحون لنا آفاقًا أبعد، كالشعراء، والرسامين، والموسيقيين الذين ينقلون الواقع بصورة عميقة، حيث يُلهمنا الحماس عندما ينقلون الواقع بمنظور مختلف، جديد، يتخطى المألوف. فهم يبعثون رسائلهم إلى كل من يحيط والعالم وهذه الرسائل المبدعة تستمر وتنتقل إلى أجيال قادمةفهم ينشرون همسات قلوبهم ومشاعرهم النبيلة على المسارح، وفي المجالس، وعلى طول الحياة العامة، وحيثما وجدوا يدعون إلى قيمة روحية عظيمة. وقد وجدتُ من الشعراء الذين يكتبون للأوطان والمحبين، إن كان في الحاضر أو الماضي فهم يوثقون شعورهم وأحاسيسهم الفيّاضة أمام الملايين، وفي قلوب المستمعين، والقراء، ومتذوقي الأدب، والشعر. ولعل من أبرز الأسماء الذائعة الصيت التي تركت بصمتها في الوجدان: مثال الشاعر المهاجر يحيى عمر اليافعي، الذي تخطى حدود الوطن الجغرافية، والفنان والملحن والشاعر محمد سعد عبد الله، والشاعر الكبير ابن لحج الغمندان، والشاعر المخضرم حسين المحضار. هؤلاء، والكثير من الذين خلد الزمن أشعارهم وأغانيهم، لأنها عميقة، مليئة بالأحاسيس الفيّاضة، تحمل معاني عظيمة فلسفية. فالموسيقى هي غذاء الروح، فهي ليست مجرد أنغام، ولكنها خطاب وجداني يوقظ الأحاسيس، ويجعل قلبك يحلق في الآفاق، وتُذكّرك بنعمة وقيمة الحياة، وتلهمك أن تعيش الحياة الملهمة، لتصل إلى مستوى أفضل.فهناك موسيقى تنعش القلب، وتحرّك مشاعرك بالحانها الشجية، وتبعث في روحك البهجة، وتحرك مشاعرك حتى ترقص للترفيه عن نفسك، وموسيقى تحملك إلى عالم التأمل والهدوء، فتعيد ترتيبك الداخلي وتمنحك لحظة صفاء نادرة. فالفن غذاء الروح ومنارته، وهو رسالة خالدة تتوارثها الأجيال. ولا يسعني هنا إلا ذكر الموسيقيين الذين أسهموا في صياغة الوعي الموسيقي العربي والعالمي، أمثال: أحمد بن أحمد قاسم، ورياض السنباطي، والموسيقار بليغ حمدي، وبيتهوفن، وغيرهم الكثير ممن لا يتسع المجال لذكرهم.
حسين بن أحمد الكلدي
16/5/2025