شارك الخبر
في قلب البرازيل، التي كانت تترنح تحت وطأة الأزمات الاقتصادية في الثمانينيات والتسعينيات، برز لولا دا سيلفا، الرجل الذي حمل أحلام الفقراء وضمير الأمة. كانت البلاد تعاني: ملايين العمال فُقدوا وظائفهم، الأجور تقلّصت، الدعم الحكومي اختفى، والاقتصاد انهار. تدخل البنك الدولي، ففرض شروطًا قاسية أُدخلت في الدستور، لكنها أشعلت الفوضى السياسية وزادت الأزمة سوءًا.
عام 2003، صعد لولا إلى الرئاسة. رجال الأعمال ارتعدوا خوفًا منه، يرونه متطرفًا، بينما رفع الفقراء شعارات الأمل، منتظرين منه تعويض سنوات الحرمان. لكن لولا لم يكن لصًا ولا ثوريًا تقليديًا. وقف وقال: “التقشف ليس إفقار الجميع، بل التضحية بالرفاهيات لإنقاذ الفقراء”. وأضاف بحزم: “سنعتمد على سواعدنا، فالاستجداء من الخارج يهدم أوطاننا”.
أطلق لولا برنامجًا جريئًا: “الإعانات الاجتماعية المباشرة”، تخصيص 0.5% من الناتج القومي لدعم 11 مليون أسرة فقيرة، أي 64 مليون برازيلي، برواتب نقدية بمتوسط 735 دولارًا لكل أسرة. لكن من أين المال والبرازيل شبه مفلسة؟ قرر لولا رفع الضرائب على الأثرياء ورجال الأعمال، مع إعفاء الفقراء. توقّع الجميع تمردًا، لكن المفاجأة كانت مذهلة.
لم يعترض رجال الأعمال، بل رحبوا! لماذا؟ لأن لولا أغرقهم بالتسهيلات: أراضٍ مجانية، تراخيص سهلة، قروض ميسرة، ودعم لفتح أسواق جديدة. زاد دخل الفقراء، فتدفقوا لشراء منتجاتهم، وتضاعفت أرباحهم. لم يروا الضرائب كغرامة، بل كمفتاح لانتعاش أعمالهم.
في ثلاث سنوات فقط، عاد مليونا برازيلي مهاجر، جلبوا أموالهم وطاقاتهم، وتبعهم 1.5 مليون مستثمر أجنبي يبحثون عن فرص في البرازيل الجديدة. في أربع سنوات، سدد لولا ديون صندوق النقد الدولي، بل أقرضه 14 مليار دولار عام 2008، عندما هزّت الأزمة العقارية العالم. ركّز على الصناعة، التعدين، الزراعة، والتعليم، فأنتجت البرازيل طائرات “إمبراير”، وصنعت غواصات نووية، لتصبح بحلول 2022 واحدة من خمس دول فقط في العالم تملك هذه التكنولوجيا.
أُعيد انتخابه عام 2006، وعندما انتهت ولايتيه في 2011، هتف الشعب: “ابقَ، غيّر الدستور!” لكنه رفض بحزم، وقال كلمته التي خلّدها التاريخ: “البرازيل ستنجب ملايين مثل لولا، لكن دستورها واحد”. غادر لولا القصر، تاركًا أمة مزدهرة، اقتصادًا قويًا، ودستورًا محترمًا، ليروي التاريخ قصة رجل قلب المعادلة، فجعل من الفقر أملًا ومن الأزمة نهضة. #شخصيات #امريكا #السعودية #فرنسا #متابعه #مصر #اليمن #الايجار #القادسية