شارك الخبر
بقلم : فاروق المفلحي
.
لم تعرف في بلاد المسلمين حكومات دينية ، ففي فجر الاسلام كانت يطلق على الخليفة ( امير المؤمنين ) واستمر الحال ولم يكن يطلق على الخلفاء ابدا مسمى ( خليفة المسلمين) بل امير المؤمنين .
لماذا اطلق على كل من الخلفاء ب ( أمير المؤمنين ) وليس ( أمير المسلمين ) ؟والسبب ان الايمان يعم كل من آمن من يهود ومسيحيين ومسلمين .
وعاشوا غير المؤمنين تحت كنف الدولة الاسلامية دون اقصاء او ايذاء ومنهم الصابئة وكانت لهم حقوق من بيت مال المسلمين لانهم ضمن حمى دولة الاسلام ومن الذين وقعوا على دستور المدينة .
كانت في المدينة جالية يهودية عربية مؤثرة جدا ومنهم من كان شاعرا مفوهاً مثل السموأل بن غريض الشاعر اليهودي العربي ، ومنهم من كان حكيما بل ومنهم من كان ضليعاً في اللغة العربية فيشرح ما صعب من مفردات اللغة العربية .
من المسيحيين من احب الاسلام وان لم يعتنقه فقد افتخروا بعدله وقيمه ، وما ذكره القرآن في سورة آل عمران عن مريم كما ويأنسون وينصتون اليهود العرب ونحن نقراء على مسامعهم سورة يوسف عليه السلام . وكانوا امراء المؤمنين يأمرون بصرف الزكاة لكل فقير في المدينة ولا يخصون بالزكاة الفقراء من المسلمين ، بل الفقراء من اليهود والمسيحيين وكل الفقراء بمن فيهم من مشركين وصابئة بل وعابر السبيل اي كان دينة وملته .اليوم الحكومات في العالم تغيرت ولكنها لا زالت تخضع لمثل هذا النوع من الدعم والاعانات الاجتماعية ، دون النظر الى الدين او اللون او الجنسية .
بلاد كندا التي اعيش بها تدعم حكوماتها المتعاقبة والمنتخبة كل الجاليات ، وتدعم تعلم الجاليات لغاتها ، وتصون المساجد والمعابد الهندوسية والسيخية فضلا عن الكنائس والتي اصبحت بعض من مبانيها عرضة للبيع بسبب عدم وجود من يؤمها .
كندا ليست حكومة دينية ومع هذا تدعم الجاليات المهاجرة الى كندا في تعليم دينها ولغتها وتراثها . وهنا تكمن اهمية الحكومات الانسانية او الديمقراطية فهي تتعامل مع البشر او مع رعيتها دون تفريق بين اللون واللغة والجنسية فضلا عن الدين .
وتذكروا ان الحكومات الاسلامية ومن جوهر عملها ، مهمة دعم المواطن الذي يعيش في ارضها دون النظر الى مذهبه ولونه ولغته واصله ، كما ان على الحكومة الاسلامية عليها ان لا تضيق الخناق على منهم على غير مذهب الدولة او من اصولها .
في ايران على سبيل المثال طوائف وملل ومنها طائفة السنة وهناك طوائف من اليهود والمسيحيين بل وفيها طوائف اخرى وربما منها الزراديشتية . كل هولاء رعية تحت حمى الدولة الاسلامية ويجب ان تراعي الدولة او حكامها ديانات الاقليات وشعائرهم وسلوكهم وعاداتهم ، وتعتبرها جزء من ملامح المجتمع وتراثه كما تعمل كندا في دعم يوم عاشورا وتبعث بالتهاني الى المسلمين بحلول شهر رمضان والاعياد .
وما انا بصدده هو( السلوك الفردي ) فهناك مسلم معتدل وهناك المتشدد والوسطي ومن كل الاديان ونجد العلماني واعني بالعلماني من ليس عنده اي موقف بسبب دين جاره او صديقه او زوجته اليهودية او المسيحية . لهذا فليست مهمة الحكومات المسلمة ،مثلا مراقبة الناس في سلوكهم بل مراقبة الناس عند اختلال سلوكهم وتاثيرها على من حولهم او مجتمعهم .
مثال على ذلك ليس للحكومات ان تعلن تشكيل شرطة الاخلاق لتراقب وتردع النساء وتعاقب بسبب هفوات ونوازع سلوكية شخصية خاصة ولا تضر الاخرين ، ومنها طريقة تسريحة الشعر وربما كشف بعض خصله بل وتغضب الشرطة لنوع الملابس وطريقة لبس الحجاب او الشادور ، فهذه كما هو متعارف عليه امور ثانوية وما مهمة الدولة الا حماية الجميع وعدم اقلاق ( الفرد ) لسكينة المجتمع ، بغض النظر عن ميول المواطن ونوازعه وطريقة ارتداء ملابسه على ان العورة للجواري هي من السرة الى الركبة فتم الغاء التكشف بل وتم الغاء العبودية التي حاربها الدين الاسلامي ولم يحرمها .
وليس من الجائز وليس من صلب مهمات الحكومات ان تراقب وتشدد في مراقبتها لمن يقصر في اداء الصلوات او سرية تناول الكحوليات ، وفي كندا اذا تناول الشخص الكحول في الحديقة او الشارع او اثناء قيادته للسيارة . فهنا تتدخل القوانين وتردع وتعاقب وبشدة .
نعود ونذكر ان مهمة الحكومات العادلة ان تتعامل مع الرعية على انهم اشتات من المتدينين ومن الوسطيين ومن العلمانيين . ومن الخطأ ان نعادي العلمانيين فهم طبقة سكانية تشكل الاغلبية في العالم . وتفسير العلمانية هي ان ( الدين لله والوطن للجميع) ولا تعني العلمانية ان الشخص يتزندق او من العصاه او فاجر .
واخيرا فان مهمة اي حكومة هي امن المواطن وصحته وحمايته وتعليمه ، بل ودعمه عند تعرضه للبطالة ، واسكانه عند فقدانه سكنه ، وليس من صلب مهام الحكومات الدينية ان تصنف ، كما ان على الحكومات الدينية ان تخفف من حشد اعلامها وضيقها على منهم على غير لغتها او دينها او مذهبها او عاداتها فضلا عن مذهبها .
ومن الاهمية ان لا تراقب الحكومات تفاصيل حياة الناس، خوفاً عليهم من الجهل والزلل ، فيعاقبهم الله بدخولهم النار ! فمهمة الحكومات هي رعايتهم ودعمهم انسانياً ومنعهم من ايذاء الاخرين وليس مهمة الحكومات ارسال الناس الى الجنة .فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر .