شارك الخبر
بقلم : فاروق المفلحي
من محاسن الصدف ان يقع في يدي كتاب عن الاحجار الكريمة. شدني الى الكتاب ان مؤلفه الباحث في علوم الجيولوجيا محمد علي متّاش الكسادي، حيّاه الله كما ان لديه مجموعة من الكتب الاخرى التي تعني بالمعادن بصفة خاصة وبالشان الجيولوجي بصفة عامة.
كان الكتاب الذي وصل إلى يدي زاخرا بعرض اجمل الصور الملونة للحديد من المعادن وبعض الاحجار الكريمة في بلادنا، مع صور بفرز راقي للالوان، ووصف وتصنيف لهذه الاحجار. وفي توقعي فهو الكتاب الوحيد الذي تطرق الى هذا الجانب في الوطن وان لم يكن الوحيد فهو الاول.
وعن الدراسات الجيولوجية، فان بلادنا تم اعداد الخرائط الجيولوجية والجيوكيمياءية والهيدرولوجية والغرضية أيضا ولكن بمقياس 1:100000، ونظرا لانها تزخر بالعديد من المعادن الفلزية واللافلزية وأهمها المعادن الصناعية وكذلك الاحجار الطبيعية الخاصة بالزينة والبناء، مضافا الى ذلك مجموعة جيدة من توضعات الاحجار الكريمة فان اعمال الاستكشافية التفصيلية وإنتاج خرائط اكثر دقة جاري على قدم وساق وسينتج عن تلك الابحاث مواقع تمعدنات اضافية ستكون المورد الرديف للنفط والغاز بل انها على المستوى الاستراتيجي تشكل أهمية قصوى.
ومن الاهمية بمكان ان ننوه ان محمد متّاش ساهم بجهده الذاتي في جمع عينات من معادن واحجار كريمة ومواد صناعية وانشاءية وغيرها، واسس المتحف الجيولوجي في مدينة الحوطة، محافظة لحج والذي اعتبر افضل متحف جيولوجي في البلاد، ومثل ذلك عملا دؤوباً بل وملهماً طوال ٢٥ سنة ومصحوباً بالاخلاص والاتقان والصبر .
وللاسف فقد تعرض هذا المتحف الجيولوجي للنهب اثناء الحرب فذهب جهد اخينا متًاش ادراج الرياح . ولكن ليس في روح هذا المخلص الوطني اليأس والقنوط، فلم تخذله المرهقات والنكسات، فهو معود على التحدي والصبر والتفاني.
دشن الدكتور متاش وعاد ليبدا من الصفر لاعداد معارض جيولوجية كثيرة فاقام معرضه الجيولوجي في خورمكسر في عدن لصالح شركة (اجهام للطاقة والتعدين) وهو اكبر بست مرات من المتحف الحالي الذي افتتح بمناسبة عيد الاستقلال. وكان كل شيء في هذا المتحف طبيعي حتى الغطاء الخارجي للدواليب كان عبارة عن نماذح من صخور الجرانيت والجابرو والرخام.
ومن المهم ان اعرج واقول ان اخينا متاش، الذي يراس اللجنة الاقتصادية العليا والتابعة للمجلس الإنتقالي الجنوبي، انه قد بذل جهوداً حثيثة لتدشين المتاحف الجيولوجية وعلى المستوى الاقليمي ومنها مساهمته المخلصة وفريقه المثابر في تدشين المتحف الجيولوجي الاول في ارض الصومال الشقيقة.
لعل متاش وفريق عمله اول من سجل عنصر الليثيوم في منطقة Borama في أرض الصومال، لصالح وزارة الطاقة والمعادن هناك، وبدعم مباشر وبالتعاون مع الأخ الاستاذ الرائع والمميز حسين عبدي دعاله، وزير الطاقة والمعادن السابق في أرض الصومال، بل وسجل إلى جانب عنصر الليثيوم عناصر اكثر أهمية وفي نفس الموقع، ومنها عناصر السيزيوم والروبيديوم والتنتالوم والبريليوم واليورانيوم وغيرها.
ومن الاهمية ان ننوه الى ان محمد متّاش له اسهامات وابحاث ودراسات محلية واقليمية وعالمية، فهو عضو في اهم الاتحادات والجمعيات الجيولوجية العالمية، حيث مثل بلادنا في اكثر من اربعين مؤتمر دولي في مجال الجيولوجيا.
ما علمته عن هذه الشخصية الوطنية المخلصة هو الزهد الذي تميز به طول حياته، وخلال مسيرة عمله الطويلة لم يكتب حتى طلبا واحدا لصالحه الشخصي إيمانا منه بأن الوطن اغلى واهم واكثر استحقاق.
وهنا برهن اخونا متاش على عنصره النقي بل والنادر في زمن الفساد وحب النفس والبهرجات والهيلمان الزائف.
وعودة الى مكامن واحتياطيات المعادن سواء فلزية او لا فلزية فان بلادنا زاخرة بالعديد من هذه المعادن حيث تعتبر واحدة من اهم المناطق الواعدة على مستوى الشرق الأوسط كاملا. وعندي شعور بل شبه يقين ان الوطن اذا اتيح له ان ينعم بالسلام ففيه من الخيرات الكثير وفيه من الاخيار ما يقيلون عثرات الإنسان ومرهقاته في غضون سنوات.
ومرة اخرى فان اخونا محمد متّاش قد اعطى وما استبقى، واملي ان نراه في واجهة الوطن ليسهم في انتشال الإنسان من عناءآته ومرهقاته، فكم في وطني من المخلصين ولكنهم كالاحجار الكريمة علينا ان ننقب عنهم وان نمنحهم فرصة العمل وبذل الجهد وتصدر المشهد.
مرة اخرى فلقد غاب في مرحلة عصيبة غاب عن الوطن متاش، حيث اخذته مراكز الابحاث والمحاضرات والدراسات بعيدا الى جمهورية المجر، كندا، الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا. وكذلك في مجموعة من دول افريقيا واهمها تنزانيا، السيراليون، اوغندا، موريتانيا، اثيوبيا وارض الصومال وغيرها، وللعلم فان له في بعض الدول لمساته المؤثرة وبعض اللقى والعينات الجيولوجية التي اهداها لبعض مراكز الابحاث والمتاحف الجيولوجية في دول عمل بها ومنها الولايات المتحدة الاميركية، كندا، المجر وإيطاليا.
وبصدق فانني اهنىء نفسي واهنىء الوطن في ان لدينا مثل هذه الشخصية المخلصة والمجالدة بل والزاهدة والتي لا ترهقها الاحداث والموجعات ولا صروف الزمن وغوائله.
حفظ الله المخلصين من ابناء الوطن الاخيار فرغم دياجي اليأس وغيوم الاسى فهم يطلعون علينا كالنجوم الزاهية من بين الحيالك فنسترشد برشدهم الدروب والخطى.