شارك الخبر
حدثت قصة حبّ “جميل وبثينة” في العهد الأموي ، حيث يُحكى أن جميل رأى بثينة وهو يرعى إبل أهله ، وجاءت بثينة بإبل لها لترد بها الماء ، فنفرت إبل جميل ، فسبها ، ولم تسكت بثينة وإنما ردت عليه وسبته هي أيضاً !! ، وبدلاً من أن يغضب أعجب بها !! ، واستملح سبابها فأحبها وأحبته ، وكانت هذه قصة لقائهما أول مرة ، ويقول جميل في ذلك الموقف :
وأول ما قاد المودة بيننا ..
بوادي بغيض يا بثين سباب ..
فقلنا لها قولاً فجاءت بمثله ..
لكل كلام يا بثين جواب ..
ويحكى أن جميل كان حلو القسمات ، حسن الخلقة ، طويل القامة ، كريم النفس ، باسلاً وشاعراً من عشاق العرب ، افتتن “ببثينة” وهي من فتيات قومه ، حتى أصبح يُلقب بـ “جميل بثينة” وخطبها ، ولكن أهلها منعوه عنها ، وزوجوها من فتى آخر ، فأنطلق ينظم الشعر فيها ، ومن شعره عنها : ،
أُصلي فأبكي في الصَّلاةِ لذكرها ..
ليَ الوَيْلُ مما يكتُب الملِكانِ ..
ضَمنت لها ألَّا أهيمُ بغيْرها ..
وثِقت مِني بغيرِ ضِمانِ ..
وأخذا يلتقيا سراً حتى بعد زواجها ، فجمع له قومها جمعاً ليأخذوه إذا أتاها خفية ، فحذَّرته بثينة فاستخفى ، وقال :
فلو أن الغادون بثينة كلهم ..
غياري وكل حارب مزمع قتلي ..
لحاولتها إما نهاراً مجاهراً ..
وإما سرى ليلٍ ولو قطعت رجلي ..
وأخذ جميل يهجو قوم بثينة في شعره ، فاشتكوا عليه “مروان بن الحكم” وهو يومئذ “عامل المدينة” ، فنذر ليقطعن لسانه ، فخرج جميل من البلاد هائماً ، ثم نزل إلى مصر وافداً على “عبد العزيز بن مروان” والذي أكرمه وأمر له بمنزل ، ويحكي لنا “سهل بن سعد الساعدي” عن جميل قبل وفاته قائلاً : “دخلنا على جميل أنا ورجل من أصحابي ، وما يخيل لي إلا أن الموت يشتد عليه ، فقال لي جميل : “يا بن سعد ، ما تقول في رجل لم يزنِ قط ، ولم يشرب الخمر قط ، ولم يقتل نفساً حراماً قط ، ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ؟؟
فقلت : أظنه والله قد نجا ، ولكن من هذا الرجل ؟
قال جميل : “أنا هو”
قلت : “والله ما سلمت يا جميل وأنت منذ عشرين سنة تتغزل ببثينة !!”
فقال لي : “إني في آخر يوم من أيام الدنيا ، وأول يوم من أيام الآخرة ، فلا نالتني شفاعة محمد “صلى الله عليه وسلم” يوم القيامة إن كنت “وضعت يدي عليها لريبة” قط” -أي أنه لم يمسها ولم يضع يده عليها طوال تلك السنين- !!! ، فما قمنا حتى مات ، وجاءت وفاة جميل -رحمه الله- عام ٨٢ هـ – ٧٠١ م.
ومما قاله في حبه لبثينة :
يَموتُ الهَوى مِنّي إِذا ما لقيتُها ..
وَيَحيا إِذا فارَقتُها فيعودُ ..
يَقولونَ جاهِد يا جَميلُ بغزوةٍ ..
وَأَيَّ جِهادٍ غَيرُهُنَّ أُريدُ ..
لِكُلِّ حَديثٍ بَينَهُنَّ بشاشةٍ ..
وَكُلُّ قَتيلٍ عِندَهُنَّ شهيدُ ..